محمد سليمان العنقري
يقال: إنه في منتصف القرن الماضي ابتكر الدبلوماسي الأمريكي جورج كينان مصطلح «سياسة الاحتواء» الذي كان تعبيرًا عن السياسة الأنجع للتعامل مع الاتحاد السوفيتي ومنعه من التوسع لكن هذه السياسة وإن كانت تحقق بعض النجاحات إلا أنها لا تعطي النتائج المرجوة دائمًا في ملفات أخرى ولعل من أهمها في منطقتنا ملف إيران لأن سياسة الاحتواء الأمريكي لها التي بدأت منذ عهد الرئيس كارتر وطبقها كل الرؤساء من بعده على مدى أربعين عامًا لم تحقق أهدافها، بل إن إيران توسعت تحت نظر الإدارات الأمريكية كلها منذ ذلك التاريخ وبات له نفوذ وتموضع بالعديد من الدول العربية مما يعني فشل سياسة احتواء إيران لتأتي إدارة الرئيس الأمريكي الحالي ترمب وتطلق إستراتيجيتها ضد إيران قبل أكثر من عام وتوجت بإلغاء الاتفاق النووي الذي وقع قبل نحو ثلاث أعوام في عهد الرئيس أوباما لتبدأ مرحلة جديدة مختلفة بالتعاطي مع الملف الإيراني.
فقد أعلن وزير خارجية أمريكا «بومبيو» قبل أيام في كلمة ألقاها بالجامعة الأمريكية في القاهرة أن الوقت حان للانتقال من سياسة الاحتواء إلى المواجهة مع إيران، وهو ما ينذر بتغيير استراتيجي واسع يعبر عن إستراتيجية ترمب ومراحلها التي بدأت بعودة العقوبات الاقتصادية منذ ستة أشهر إلى الدعوة التي أطلقها بومبيو لعقد قمة في بولندا الشهر المقبل لبحث ملف استقرار الشرق الأوسط ومواجهة إرهاب إيران وتدخلاتها بالمنطقة التي تسهم في زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط، إن ما يفهم من هذا التحول للمواجهة قد يكون بظاهرة عسكريًا لكن بالتأكيد أنها مواجهة مفتوحة وتستخدم بها كل الأدوات ولعل العقوبات الاقتصادية ستكون من أهم أدوات المواجهة التي بدأت فعليًا.
فقبل عدة أسابيع أعلن الرئيس الإيراني حسن روحاني عن موازنة إيران للعام المالي الجديد بإنفاق يقدر عند 47 مليار دولار أمريكي فقط وفق أسعار صرف العملة السائدة بينما وفق سعر الصرف الرسمي الذي حدده البنك المركزي الإيراني فتبلغ الموازنة نحو 105 مليارات دولار وبكل الأحوال فهو إنفاق ضعيف قياسًا باحتياجات اقتصاد إيران المتهالك وقد كشف الرئيس الإيراني أن تقليص الإنفاق سببه العقوبات الأمريكية القاسية وهذا اعتراف صريح بمدى تأثير العقوبات، فالأوضاع الاقتصادية السيئة لإيران حركت الاحتجاجات بأكثر من مائة مدينة إيرانية على مدى الشهور الماضية ومع الانتقال لسياسة المواجهة فإن الأوجاع الاقتصادية على إيران ستزيد ولا يوجد حلول كثيرة للتهرب من العقوبات فالمسؤول بالإدارة الأمريكية عن ملف إيران صرح قبل أيام أنه لن يكون استثناءات للنفط الإيراني مستقبلاً إشارة للسماح لثماني دول باستيراد نفط إيران لمدة ستة أشهر تنتهي في مارس المقبل وهو ما يعني مزيدًا من الضغوط على إيران بأكثر مما تحتمل هذه المرة خصوصًا مع التغيرات الكثيرة جيوسياسيًا التي تحدث في مواقع اعتقدت إيران أنها بسطت نفوذها فيها.
إن سياسة المواجهة التي أعلن عنها وزير خارجية أمريكا ستخنق إيران أكثر ويصبح من الصعب على كثير من الدول والشركات أن تتعامل معها ويقلص فرص التحايل على العقوبات لاأن مفهوم المواجهة سيجعل من كل من يتعامل مع إيران بنظر أمريكا هو اقرب للعدو وسيتحمل تبعات قد تصل لعقوبات أمريكية عليه وهو ما سيكون أهم أدوات المواجهة مع إيران فهل يحمل العام الحالي والشهور القليلة المقبلة حلولاً لهذا الملف تأتي من داخل إيران بأن يفرض الإيرانيون على حكومتهم التغيير بالسلوك لتكون دولة صديقة لجيرانها وتنكفئ على نفسها أم أن للمواجهة أطوارًا متعددة لن تتوقف حتى يفرض التغيير على إيران.