سمر المقرن
كان للكويت دور كبير في تشكيل الوعي الثقافي لديّ ولكثير من بنات وأبناء جيلي، أتذكر في سنواتي الخمس الأولى كنت أنتظر مثل غيري وصول شرائط الفيديو السنوية لحفل العيد الوطني الكويتي، لمتابعة الفنون والرقصات والأغاني التي كانت تُبهرنا. من سنوات عمري الأولى وأنا أنظر إلى الكويت كوجهة ثقافية وأدبية وفنية، وأول ما بدأت القراءة كانت قراءاتي للكتاب والأدباء الكويتيين، وفي مرحلة المراهقة بدأت أبحث عن مجلة العربي والإصدارات والمجلات الكويتية، ولم يكن أحد ينافسها في العالم العربي من حيث الرزانة والمادة والمحتوى الذي يهم القارئ العربي. حتى في المواد الترفيهية كانت الكويت دائماً سباقة لتقديم ما يليق بالمتلقي العربي في الفنون والدراما والمسرح.
هذه الكويت التي عرفتها بمؤسساتها الثقافية وأعمالها الإبداعية، التي أراها أرضاً ينبع بالعطاء الثقافي والفكري، ومركزاً يحتضن الإبداع.
وعندما صدرت روايتي الأولى (نساء المنكر) أواخر عام 2007م، أول من قدم الدعم لي هم رابطة الأدباء الكويتيين، وتمت استضافتي وفوجئت بوجود العمالقة من الأديبات والأدباء ممن كنت أراهم نجوماً من الصعب الاقتراب منها، قدموا لي أجمل عبارات الدعم بروحٍ متواضعة. وقدمت لي وسائل الإعلام الكويتية الكثير من الدعم الذي لقيته من قنوات وصحف وقراءات نقدية لإنتاجي الأدبي، طبعاً بعد وطني السعودية. كما كنت لسنوات من الكُتاب الأساسيين في صحيفة (أوان) الكويتية منذ تأسيسها على يد الدكتور محمد الرميحي.
هذي هي الكويت قبلة الثقافة ليس على مستوى الخليج العربي بل على مستوى العالم العربي. هذا ما قلته وأنا أقدم شهادتي يوم الأحد الفائت بمناسبة مرور 25 عاماً من عمر مهرجان القرين الثقافي، وإن كان قد مضى ربع قرن من العطاء المتجدد، فإن هذا المهرجان هو جزء من عطاء الكويت الثقافي ورسالتها الحريصة على رعاية الثقافة ودعم المثقفين.
مهرجان القرين هو منظومة ثقافية متكاملة وقد عمل طويلا في صناعة الإبداع وتشكيلها وإبرازها وفتح نوافذ التنوير من كل اتجاه. كان وما زال مهرجاناً ريادياً ساهم في تشكيل ملامح الفكر والأدب الكويتي والعربي، ومنبراً قوياً لجميع الثقافات وتنوعها.
مهرجان القرين هو من أقوى الفعاليات الثقافية التي ينتظرها المثقفين والأدباء في العالم العربي، وهو يجسد الدور الكويتي الذي عرفناه وتعزيز دورها الثقافي الذي اشتهرت به.
ولأن مهرجان القرين هو جزء كبير ومكون أساسي في الثقافة العربية فهو اليوم أمام تحديات كبيرة، في قدرته على أن يكون قريباً من هذا الجيل وأن يواجه التحديات الرقمية بشجاعة والتي سيطرت على حياتنا اليوم.
مهرجان القرين هو جزء من تاريخ وحاضر الكويت الثقافي، التي استثمرت في تنمية الفكر الإنساني وحرصت على أن تتخذ موقعها في الخارطة الثقافية وأن تكون مرجعاً للإلهام الأدبي. شهادة حق قلتها في مشاركة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، لمهرجان فتح أبوابه للمثقفين من كل أنحاء العالم العربي.