عبدالوهاب الفايز
المخاطر التي تهدد الشباب سوف تظل باقية، وأكبر المخاطر هي الاتجاهات والأفكار المتطرفة، وشبابنا اختطفته الأفكار والتصورات الدينية المتشددة وقادته إلى التمرد والدخول في عالم الجماعات الإرهابية، والخشية أن تختطفه أيضًا الأفكار الليبرالية والعلمانية المتطرفة، وكلا الاتجاهين يشكلان أدوات خطيرة لتجنيد الشباب والمراهقين لخدمة مشاريع ومصالح خاصة، أو لتجنيدهم ضد بلدانهم ومجتمعاتهم، وبعد انحسار مخاطر الإرهاب والتشدد في الحرب عليه وتجفيف منابع تمويله وتحييد المحرضين عليه، الآن ندخل في مخاطر التجنيد من الطرف الآخر، التجنيد لخدمة الليبرالية المتطرفة.
كلا الاتجاهين المتطرفين يحرضان المراهقين والشباب على الخروج من الإطار المرجعي الحاضن، فالأسرة والدولة، في تصور الاتجاهات المتطرفة ليس لها حق الولاية أو الرعاية والتوجيه، وهذا هو مدخل إخراج المراهقين والشباب من ذاتهم ومن مجتمعهم، فيتم تربية الشاب على فكرة التمرد بدءاً من إقناعه بأن (يعيش يومه ويستمتع بحياته التي هو يريد، وليس ما يريده الأهل والمجتمع)، ومن هنا يأتي أهمية تحصين الشباب وعزلهم عن مغذيات وحاضنات الأفكار المتطرفة.
هروب الفتيات من أهاليهن في مجتمعنا ظاهرة غريبة عنا وشاذة، والحمد لله أنها محدودة، والمرهقة وأهلها ضحية هذه الظاهرة، ولكن إذا نحن بقينا بدون (حراك إيجابي) موضوعي لتفهم هذه الظاهرة ودوافعها ومسبباتها، فالخوف أن تتسع وتستخدم كأداة لاختطاف شبابنا واستخدامهم في الحرب علينا، كما استخدم الشباب في الإرهاب.
فِي مقاله المهم الذي نشره في الشرق الأوسط الأحد الماضي طرح الأخ الدكتور يوسف السعدون، عضو مجلس الشورى ووكيل وزارة الخارجية السابق، عددًا من الجوانب التي يجب علينا الانتباه لها، ويأتي في إطار الأسباب التي نغفل عنها ولا يمكن عزلها عن ظاهرة هروب الفتيات.
يقول: (والسبب الآخر لمسلسل الهروب، وهو الأخطر الذي ما زلنا مع الأسف كمجتمع غافلين عنه، يتمثل في تدخلات التيارات المعادية السافرة، كالسفارات والمنظمات الأجنبية، في مجتمع الشباب. فهي التي تقوم بإنتاج وإخراج مسلسل هذا الهروب، بالاتصال والتحريض وتيسير إجراءات هروب الشابات والشباب السعودي ومنحهم اللجوء لاستغلالهم كطعم في محاربة هذا الوطن. حيث نجدها تسعى جاهدة إلى استقطاب الشباب وتحريضهم على استعداء مشروع الدولة والدين والقيم ورموزها، وبث روح اليأس والإحباط بأي غد أفضل. والإغراء أخيرًا بأن الوسيلة المثلى لمعالجة الأفق المسدود يتم بتبني فلسفة «الفوضى الخلاقة»).
ومن الأمور التي وقف عندها الدكتور السعدون هو تساهل الأهالي في تواصل أبنائهم مع المنظمات والمؤسسات الخارجية، يقول: (والأدهى والأمر، أن كل ذلك يتم على مرأى ومسمع من بعض الأسر لدينا التي تتفاخر بالدعوات التي يتلقاها أبناؤهم وبناتهم من السفارات والمنظمات الأجنبية) وهنا أعتقد أن الدكتور السعدون محق، فنحن كحكومة وعائلات تساهلنا في تنظيم علاقة المراهقين والشباب في المنظمات والممثليات العالمية والأجنبية.
ربما نحن نتعامل بحسن النية، كما تعاملنا في السابق مع جمعيات ومؤسسات قامت للعمل الخيري والإنساني واتضح أنها استخدمت كغطاء لتجنيد المراهقين، والآن نخشى أن تتجدد الغفلة مع برامج ومشاريع ودعوات المؤسسات المحسوبة على الأفكار والاتجاهات الليبرالية المتطرفه التي لها أجندات واضحة، كالجمعيات (النسوية)، ومؤسسات المجتمع المدني التي تدعي أنها تعمل في حقوق الإنسان وحماية المرأة والطفولة، وهي مجرد غطاء لمصالح ومؤسسات استخباراتية إقليمية ودولية!
الدكتور السعدون قال إننا (في مرمى نيران تدخلات أجنبية)، وهو محق، ونحن نرى ذلك في القصة الأخيرة لهروب رهف، فقد انطلق مشروع التشويه للمملكة منذ الساعات الأولى، وكما حدث في مقتل جمال خاشقجي، يرحمه الله، رأينا التحرك الإعلامي والسياسي المنسق، ورأينا وزيرة الخارجية الكندية تخرج للمطار تستقبل رهف وتعلن عن بهجتها، وتقول لوسائل الإعلام انتظروا، دعوها ترتاح! ثم يبدأ المسلسل الطويل الممل.
المهم ضبط ردود أفعالنا، والحكمة والأناة والصبر، بلادنا فيها جبال كثيرة راسية، ما تهزها مسلسلات التشويه!