فوزية الجار الله
ليس مثل القصص والحكايات كياناً مؤثراً يبهج القلب، يؤنس وحشة الروح حين يغيب أحبابها.. تبدو متألقة، تهطل، تتهادى، تهمس مثلما شمعة تضيء الذاكرة.
يحكى أن علجوماً -وهو نوع من الحيوانات الصغيرة يشبه الضفدع- كان يقيم في منطقة خضراء تفيض بالسمك، عاش هناك زمناً ثم أصابه الهرم فلم يعد قادراً على صيد السمك، فجلس حزيناً كئيباً يفكر في أمره، رآه السرطان فأقبل إليه وسأله: ما خطبه ولماذا هو كئيب حزين؟! أجابه العلجوم: ولم لا أحزن وقد سمعت اليوم صيادين يتحدثان، عن صيد السمك هنا، قل أحدهما للآخر إن هناك منطقة أخرى أكثر سمكاً فلنبدأ بها وحين ننتهي نعود إلى هذه! وكما تعلم، السمك هو مصدر رزقي.. فانطلق السرطان إلى جماعة السمك فأخبرهن بذلك، فأقبلن بدورهن إلى العلجوم وقلن له: (أتيناك لتشير علينا، فإن ذا العقل لا يدع مشاورة عدوه!) فقال لهما العلجوم: أما مكابرة الصيادين وقتالهما فلا سبيل لنا إليها ولا نطيقها، لكنني أعرف موقعاً آخر كثير الماء والخضرة يمكنكن أن تنتقلن إليه إن أردتن، وقد عرض عليهن المساعدة ليصبح وسيلة نقل متاحة لهن، وافقت السمكات فوراً وبدأ بنقلهن، يحمل اثنتين يومياً على ظهره ويأخذهن إلى إحدى التلال النائية قليلاً ويأكلهن، وهكذا استمر على هذه الحال، عندها أقبل إليه السرطان وقال له: إني قد أشفقت مما حذرتنا أريدك أن تأخذني هناك، فحمله العلجوم حتى اقترب به من الموقع ذاته، فرأى السرطان كتلة من عظام السمك فأيقن بأن العلجوم هو من أتى عليهن وأن مصيره قد اقترب ليلقى ما لقينه، فقال لنفسه: إذا لقي المرء عدوه في المواطن الذي يعلم أنه هالك فيها فهو حقيق أن يقاتل كرماً وحماية لنفسه، فألقى بكلاليبه على عنق العلجوم فقتله، ورجع إلى السمك فأخبرهن بذلك.. ويقول سارد الحكاية، ضربت لك هذا المثل لأبين لك بأن بعض الحيل مدمر لصاحبه!..
الحكاية التي ذكرتها لكم اقتبستها من كتاب «كليلة ودمنة» التراثي الشهير وقد أعدت صياغتها إلى حد ما لتصبح أكثر حداثة..
الكتاب المذكور يعتبر كتاباً تراثياً ممتعاً قابلاً للقراءة في كافة الأزمان ولكافة الفئات العمرية فهو يفيض بالحكايات والحكم، لكن فيما يبدو يصعب قراءته للأطفال بهيئته وصيغته القديمة، لكن يمكن أن يكون مفيداً فيما لو تم اقتصاص الحكايات وتبسيطها لهم وهذا ما حدث، حيث تُرجم هذا الكتاب إلى أكثر من لغة وأصبح كتاباً عالمياً شهيراً.. اطلعت مؤخراً ولأول مرة على هذا الكتاب منشوراً عبر الإنترنت متاحاً للقراءة مجاناً، بمنتهى البهجة والمتعة تأملت الصور والعبارات الكلاسيكية القديمة، آه.. يا للزمان..!.