إن أمن الوطن واستقراره والمحافظة على مكتسباته أمانة كبرى يجب أن نستشعرها في كل وقت وندافع عنها بالقول والفعل ونحمد الله أن من علينا في هذه البلاد المباركة بقيادة حكيمة تحكم بشريعة الله، ويقابلها كل أفراد الشعب بالطاعة في المعروف امتثالاً وطاعةً لله ورسوله، فكانت هذه العلاقة مثالاً يحتذى لكل الشعوب حكاماً ومحكومين كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ). أخرجه مسلم في صحيحه فأصبحت هذه البلاد -ولله الحمد والمنة- بفضل الله ثم بفضل هذه القيادة الحكيمة تعيش في أمن وإيمان، ورخاء واستقرار، وهذه الهجمة المغرضة ضد بلادنا لن تزيداً إلا تماسكاً وتكاتفاً صفاً واحداً مع ولاة أمرنا وقيادتنا الرشيدة.
وإن هذا الوطن قد تميّز بوجود منبع الرسالة، ومهبط الوحي، ومنشأ الدولة الإسلامية. فالمواطنة فيه حق لازم يقوم على المنتمين إليه شرعاً واجب الطاعة وواجب البيعة، والنصرة، وواجب العمل على رفعة شأنه والدفاع عن أرضه وفيما يلي نعرض لأهم الحقوق الشرعية للمواطنة تجاه وطننا المملكة العربية السعودية.
أولاً: حق الطاعة والعقد والبيعة للإمام
والمراد بالبيعة بيعة أهل الحل والعقد، وهم علماء المسلمين ورؤساؤهم ووجوه الناس فيلزم كافة الأمة الدخول في بيعته والانقياد لطاعته، وقد اتفقت الأمة جمعاء على وجوب طاعة الإمام العادل وحرمة الخروج عليه للأدلة الصحيحة الواردة في ذلك كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ}، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: (من بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه ما استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر) رواه مسلم.. وقوله: (من خرج من الطاعة، وفارق الجماعة فمات، مات ميتة جاهلية) رواه مسلم.
ويدعو للإمام بالصلاح والنصرة، ويحرم على المسلم إذا بايع الإمام أن ينقض بيعته أو يترك طاعته لقول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}، وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه ما استطاع).. رواه مسلم.
ثانياً: حق الاجتماع، والتكاتف بين أفراده.
فقد أمرالله بالاجتماع والاعتصام بحبله ونهى عن التفرق والاختلاف، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ}، وقال تعالى: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}، وحبل الله هو كتابه، ودينه وأمره الذي أمر به عباده، وعهد إليهم به، وهو الذي أمر بالاجتماع عليه، ونهى عن التفرق فيه قال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}.. وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} وقال تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمْ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}. وهذا الاختلاف المقصود به الذي يكون معه التضليل والمعاداة بعضهم لبعض، ثم بعد ذلك يكون القتال والتفرق وفي صحيح مسلم، عن أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إن الله يرضى لكم ثلاثاً، ويكره لكم ثلاثاً يرضى لكم أن تعبدوه، ولا تشركوا له شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً، ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم، ويكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال)، فهذه النصوص وأمثالها تدل على وجوب جمع كلمة المسلمين واجتناب كل ما يكون سبباً للخلاف، حتى في مسائل العلم الاجتهادية التي ينشأ عنها تفرق، ومعاداة، وتكفير، وتفسيق، ولعن، وذلك لأن الاجتهاد السائغ لا يبلغ مبلغ الفتنة، والفرقة إلا مع البغي والعدوان، ولهذا قال تعالى: {وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُْ}.. وقوله تعالى: {فَمَا اخْتَلَفُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ}. فبيّن تعالى أن الاختلاف الموجب للفتنة والفرقة إنما هو بغي، وعدوان، فلا تكون فتنة وفرقة مع الاختلاف السائغ شرعاً وكل ما أوجب فتنة أو فرقة بين المؤمنين فليس هو من الدين، سواء كان قولاً أو فعلاً ولهذا جاءت النصوص عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالأمر بقتل من خرج بطلب السلطة، والمسلمون لهم سلطان قائم، لما في ذلك من الفتن والتفرق كما في صحيح مسلم عن عوف بن عرفجة قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (ستكون هنات، وهنات، فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائنا من كان) وفي النسائي، وعن أسامة بن شريك، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه سلم-: (أيما رجل خرج، يفرق بين أمتي فاضربوا عنقه) وفي صحيح مسلم والنسائي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من خرج من الطاعة وفارق الجماعة، فمات مات ميتة جاهلية، ومن قتل تحت راية عُمِيّة، بغضب لعصبية، أو يدعو إلى عصبية، فقتل، فقتلة جاهلية، ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها، ولا يتحاشى من مؤمنها، ولا يفي بعهد ذي عهدها، فليس مني، ولست منه) وفي الصحيحين، عن ابن عباس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (من كره من أميره شيئاً فليصبر، فإنّه من خرج من السلطان شبراً مات ميتة جاهلية).. والمقصود أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حذر من الخروج عن الطاعة، ومفارقة الجماعة وذم ذلك، وجعله من أمر الجاهلية، لأن أهل الجاهلية، لم يكن لهم رئيس يجمعهم، وشأنهم التفرق والاختلاف، ويرون السمع والطاعة مهانة وذلة، والخروج عن الطاعة وعدم الانقياد عندهم فضيلة، يمتدحون بها فجاء الإسلام مخالفاً لهم في ذلك، آمراً بالسمع والطاعة لولاة الأمر في غير معصية، ومن ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم- الحديث الذي أخرجه الترمذي وصححه: (وأنا آمركم بخمس أمرني الله بهن، السمع، والطاعة، والجهاد، والهجرة، والجماعة، فإن من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه).. وفي خطبة عمر -رضي الله عنه- المشهورة التي ألقاها في الجابية، قوله: (عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد) وفي صحيح مسلم عن حذيفة، قال: (قلت يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم، قلت:فهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم، وفيه دخن. قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يستنّون بغير سنتي، ويهتدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر.. قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها. فقلت: صفهم لنا؟ قال: نعم، قوم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا. قلت: يا رسول الله فما ترى إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين، وإمامهم. قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض على شجرة حتى يدركك الموت، وأنت على ذلك) وفي لفظ آخر: (قلت: وهل وراء ذلك الخير شر؟.. قال: نعم. قلت: كيف؟ قال: يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهديي، ولا يستنّون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان الإنس. قال: قلت: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ قال: تسمع وتطيع للأمير، وإن ضرب ظهرك، وأخذ مالك فاسمع وأطع) والإسلام جاء بتأليف القلوب، وجمعها على الحق، ومناصرة المؤمنين، ومعاونتهم على البر والتقوى كما قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} فلهذا حرم السب، والسخرية، واللمز، والتنابز بالألقاب، وما أشبه ذلك مما يسبب الفرقة ويجلب العداوة والبغضاء، ويؤدي لتنافر القلوب، وإن من أعظم ما يسبب الفرقة والاختلاف بين المسلمين ما أحدث في العصور المتأخرة من المظاهرات والاعتصاماتِ فهي مُحرَّمةٌ من حيثُ المقاصدُ لكونها بدعةً محدثةً لا أصلَ لها في الدِّينِ وليست من أساليب النصيحة الشرعية، وهي مُحرَّمةٌ من حيثُ الوسائلُ بالنَّظرِ إلى عواقبها ومآلاتها من حيثُ إِنَّها تُفضي إلى الكثيرِ من المفاسدِ والشُّرورِ ومن مقتضيات محبة الوطن، والانتماء إليه الاجتماع والتكاتف، والتآزر والتعاون فيما بينهم ولن يجد العدو ثغرة ينفذ منها أقوى من إيقاع الشحناء، والفرقة، والنزاع بين أبناء الوطن الواحد.
ثالثاً: حق الدفاع عن الوطن.. قال تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ...}، فقد جعل الله الإخراج من الديار من أسباب الإذن بالجهاد فهو مشروع حماية للوطن ودفعاً لكل القوى الطامعة في المساس بأرضه ومكتسباته.
رابعاً: حق المحافظة على مرافق الوطن العامة، كموارد المياه، والطرقات، والمباني وموارد الثروة والمحافظة على مكتسباته المادية والمعنوية التي بناها ورعاها وحافظ عليها الآباء والأجداد. نسأل الله تعالى أن يحفظ بلادنا المملكة العربية السعودية من كل شر، ولا يمكن منها حاسداً أوحاقداً، وأن يحفظها من شر الأشرار وكيد الفجار وشر طوارق الليل والنهار، وأسأله سبحانه أن يديم علينا عزّنا وأمننا، ومن أراد بنا سوءاً فأسأله سبحانه أن يرد كيده في نحره ويشغله في نفسه ويفضح أمره. كما أسأله سبحانه الله تعالى أن يوفق خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين وإخوانه وأعوانه لما فيه خير وصلاح البلاد والعباد إنه سميع الدعاء قريب الإجابة.
** **
- عضو هيئة التدريس جامعة شقراء