عبده الأسمري
أعوام تمر وأيام تنقضي وساعات تعبر وجميعنا يتفقد رصيد حسابه البنكي ويتابع التحويل والإيداع والسحب ويقضي المبتلى بحب المال والمتيم بطمع الادخار وقته في الكشف والمكاشفة مع المصروفات والإيرادات ويحول يومه إلى جرد بائس وليله إلى ميزانية تعيسة ترميه في متاهات البخل ونتوءات الشح وقهر الجشع.
لدينا رصيد معاملات وتعاملات.. نرى ونشاهد يوميا العديد من رسائل التذكير بالدنيا ومواجع الرحيل وقواسم الموت وآلام النهاية.. ولكن الأعوام تجعلنا في نقاط التقاء وخطوط بدايات ومسارات انتهاء.. ولا نعلم ما هي الحصيلة في ظل مساحات مستقبلية من غيبية القدر..
رصيد الخير متاح للجميع للسحب منه فهو مخصص للكل ولا يستوجب الانتظار في طوابيره أو العيش على تنبوءاته فهو «مغنم مؤكد» ولكن العبرة بالطرق والسلوك.. فبيننا من لا يستطيع الصدقة الدائمة بالمال ولكنه يستطيع التصدق المستديم بالابتسامة.. ووسطنا من لا يستطيع نيل مراتب العابدين العاكفين ولكنه ينال ميزانها بمتطلب يجمع الشرع والإنسانية ويصفي النفس ويبهج الفؤاد ويدعم الروح من خلال حسن الخلق وبذلك جمع خيري الدنيا والآخرة بل وترك وراءه رصيدا مديدا من الذكر الطيب وظل ذلك يثقل الميزان حتى يوم القيامة وهنا تعلو أهمية المعاملات وحظوة التعاملات لتكون كفتها راجحة تجعل الإنسان في توازن نفسي مذهل واتزان روحاني بديع وصحة نفسية مستديمة وراحة وتصالح مع النفس وفلاح مع الغير ونبل مع الذات وفضل مع الآخرين يحبون ذكره ويطيبون ذكراه ويشتاقون لمجالسته ويتأملون مسيرته ويستأنسون بحديثه ويتجملون بمآثره وكل ذلك وهو يزرع الورد في طريقه ليكون فواحا للسائرين بجانبه أو القادمين خلفه أو الماضين وراءه أو المنتظرين لمقدمه ماضيا نحو نتيجته «المثلى» المتوجه بالحسنى.
المعايير الإنسانية والمعاني السلوكية والنتائج البشرية توليفة تكمل العمل الصالح وتزيد الرصيد وتمنع «الخسارة» وتقاوم «الإفلاس» الديني.. فالعبادات لا تكمل الرصيد دون معاملات والسوءات في التعاملات تضرب الرصيد وتهدد الأرباح الحياتية وتسبب الانهيار في الصالحات..
لذا فإن هنالك أرصدة إنسانية مجمدة بفعل سلوكيات الإنسان الذي ينظر للدين من باب الهيئة والشكل والعبادات فقط دون التدبر والتفكر في «صفقات معاملات» ترفع الرصيد وتنقل المسلم إلى ثراء سريع وبرأس مال متاح للفقير والغني وللبسيط والثري وللضعيف والقوي وللمسكين والمقتدر وللعربي والأعجمي من خلال معاملات سلوكية هي أسس لمنهج الإسلام وأصول لنهج الإيمان ومسالك لدروب الإحسان..
الإنسان وحده من يتسبب في تجميد رصيد عمله الذي يستطيع السحب منه ليزيده في تجارة لن تبور لأنه يزداد بتطوير السلوك الحسن ورفع مستوى الجودة في الحسنى ويمتلئ مع كل نشر ونفع وتوسيع لما ينعم به رصيده من العطاء والسخاء ليصل لآخرين فكل ما امتلأت أرصدتهم من رصيدك ارتفعت الأٍسهم وزادت السعة ورجحت الكفة.
العام الجديد والمناسبات والتهاني والابتلاءات ومواسم الفرح ومواجع الترح ونقلات الحياة وبشائر العمر ونوائب الدهر ومصائب الدنيا جميعها تنبيهات وتحذيرات بشأن هذا الرصيد لنتفكر ونتدبر ونعتبر في تفقده وفي مراجعته ومتابعته ولا يكون ذلك إلا بإعادة حساباتنا مع أنفسنا وسلوكياتنا وتعاملاتنا ومعاملاتنا وواقعنا ومستقبلنا حتى نغير الحال ونبدل السلوك لنشكر ونذكر ونتذكر ونستذكر تفاصيل الأقدار ومصائر الأحوال.. فأرصدتنا النفسية والسلوكية والحياتية مقدارها بأيدينا ومقاديرها وفق أعمالنا وقدرها وفق ما نضعه فيها من زيادات بالخير وحماية لها من اختراقات الشرور وانتهاكات الإساءات التي تهددها بالنقص والخسارة.علينا أن نراقب أرصدتنا وأن نترقب ما يأتينا من رسائل للعبرة والاعتبار حتى ننعم بالخير في الدنيا ونناله بالمقدار في دار القرار.