ناصر الصِرامي
ظهر «داء التخزين الرقمي» لأول مرة عام 2015 في ورقة بحثية عن رجل هولندي دأب على التقاط آلاف الصور الرقمية يوميا وقضاء الساعات في تجهيزها على الكمبيوتر. لكنه «لم يستفد بتلك الصور البتة ولم يطلع عليها، لكنه كان مقتنعا بأنه لا بد من أن يكون لها نفع في المستقبل».
وعرَّف الباحثون داء التخزين الرقمي بأنه «تراكم الملفات الرقمية لحد التشتت، مما يقود في النهاية إلى شعور بالضغط والفوضى»، ورجحوا أن يندرج في إطار داء تخزين الأشياء المعروف - وهو داء لم يميزه الأطباء عن الوسواس القهري عموما إلا في عام 2013..!
وفي دراسة نشرتها الـ (بي بي سي)-، أجاب 45 شخصا عن أسباب تعاملهم مع رسائلهم الإلكترونية والصور والملفات الرقمية الأخرى، وتراوحت الأسباب التي ساقوها بين مجرد التكاسل عن حذف القديم، والاعتقاد بإمكان الاستفادة منه في المستقبل، وخشية محو شيء والتضرر من عدم وجوده لاحقا، بل وحتى استخدام بعض الرسائل والملفات كـ»سلاح» بوجه الآخرين...!
واستعان فريق البحث بتلك الردود للخروج بمجموعة أسئلة تقييمية للسلوك المرضي للتخزين الرقمي في محيط العمل، واختبروا الأسئلة على 203 أشخاص تتطلب أعمالهم استخدام الكمبيوتر. وأظهرت نتائج دراستهم أن الرسائل الإلكترونية مثلت مشكلة خاصة، إذ احتفظ المشاركون في المتوسط بـ102 رسالة غير مقروءة و331 رسالة مقروءة ببريدهم الإلكتروني.
وكان السبب الدائم لعدم حذف رسائل العمل، هو الاعتقاد بإمكان الرجوع إليها لاحقا واحتوائها على معلومات تتعلق بالوظيفة، ولأنها قد تمثل دليلا على أداء العمل، وجميعها أسباب وجيهة ولكنها تضيف لتلال الرسائل الرقمية. إذا وصل الشخص إلى مرحلة أصبح عاجزا أمام تراكم البيانات، ولا سبيل لاسترجاع المطلوب الذي بات بحكم الضائع.. فهذا أول مؤشر على وجود مشكلة.
وفي دراسة عرضت نتائجها في ديسمبر 2018، وجه هو باحث أسئلة لـ846 شخصا تتعلق بعادات التخزين الرقمي، وبمدى الضغط الذي يشعرون به حيال ذلك، ليجد صلة بين التخزين المرضي للمعلومات وقلق المشاركين. داء التخزين التقليدي يحول دون قدرة الأشخاص على اتخاذ القرار ويمكن أن يصل بالشخص إلى حد تتبلد عنده مشاعر مثل الحزن والضيق، وأضاف: «وجدنا أننا جميعا معرضون لهذه الحالة من الضيق في الفضاء الرقمي، سواء أدركنا ذلك أم لم ندركه».
ويقول نيف إن مستوى تأثير الاحتفاظ بمواد رقمية يتفاوت بين شخص وآخر حسب قدرة التحمل، فاليوم مع مواقع الحفظ والانترنت السحابية للتخزين، «غوغل درايف» ، تزيد وتعمق المشكلة بدلا من حلها، ونكتفي المساحات المتاحة والتي يقل سعرها تدريجيا للزج بالملفات باستمرار دون النظر فيها، معتقدين أننا نشعر بالاطمئنان بينما الحقيقة أنها تشتتنا وتصيب البعض بقلق لم يدركون سببه بعد..؟!
شخصيا، أشعر براحة كبيرة، وثقل أقل، حين اتنظف سطح المكتب أو التطبيقات الغير ضرورية، والملفات القديمة التي انتهت صلاحياتها، وحتى بعض الذكريات التي أرسلها للحذف، وهو ما يبعد عني القلق، وداء «التخزين الرقمي - وقبل أن أعرف عنه-، كما أن حملة التنظيف التي أقوم بها دوريا تجعل المعلومات والملفات التي أرغب في الوصول إليها أقرب وأسرع.. شفي الله مرضى داء التخزين الرقمي!