منصور ماجد الذيابي
كنتُ أستعرض قبل كتابة هذا المقال بدقائق قليلة ملفًّا خاصًّا بي، يتضمن قائمة طويلة من أسماء المستخدم وكلمات المرور؛ إذ وجدت 27 اسم مستخدم وكلمة مرور تتعلق جميعها بالدخول لمواقع الخدمات الإلكترونية التابعة لجهات حكومية أو لبعض إدارات القطاع الخاص. ومن هنا تساءلتُ مندهشًا: كيف للعقل البشري أن يحتفظ بكل هذه البيانات، ولاسيما أن كثيرًا من أسماء المستخدم معقدة جدًّا، وتختلط فيها الحروف بالأرقام والرموز حفاظًا على سرية المعلومات الشخصية والبيانات الأخرى؟!
لا تستطيع ذاكرة الإنسان أن تحتفظ بكل بيانات الدخول إلى المواقع الإلكترونية المختلفة؛ إذ لا بد من تسجيل هذه البيانات في ملف خاص للرجوع إليها عند الحاجة. ولكن ماذا لو تم فقد أو تلف أو سرقة هذا الملف بكل ما يحتويه من معلومات بالغة الأهمية؟ حينئذ سيجد المستفيد نفسه مضطرًّا لمخاطبة كل أقسام الدعم الفني التابعة للجهات المقدمة للخدمات الإلكترونية التي يشترك معهم في الاستفادة من خدماتهم إلكترونيًّا دون الحاجة لمراجعتهم والحضور إليهم.
مما لا شك فيه أنه ينبغي على كل شخص أن يحفظ بياناته؛ ليضمن عدم الدخول واختراق جدران الحماية الخاصة بحسابه؛ ومن ثم الاطلاع على البيانات السرية للحساب والعبث بها، بل إن الجهات المقدمة للخدمات الإلكترونية كثيرًا ما تحذر المستفيدين عبر الرسائل النصية القصيرة من عمليات التلاعب والاحتيال وسرقة البيانات الشخصية؛ وبالتالي على هؤلاء المستفيدين توخي الحيطة والحذر بحفظ كلمة المرور واسم المستخدم لضمان أمن المعلومات الخاصة بحساباتهم.
وانطلاقًا من مبدأ تبسيط وتيسير الأمور على شريحة المستفيدين من الخدمات الإلكترونية فإن المشكلات التي تواجهنا في هذا الشأن تدفعنا للبحث والتفكير بإيجاد وسائل بديلة، تتميز بالمرونة والسرعة والسهولة دون أن يتعرض مستوى الحماية الأمنية لحساباتنا إلى خطر القرصنة المعلوماتية؛ ولذلك فإن ما دفعني لكتابة هذا المقال هو ارتفاع عدد بيانات الدخول تبعًا لعدد الجهات الخدمية المتزايدة، سواء في القطاع الحكومي أو القطاع الخاص؛ إذ ليس من المعقول أن أكون مضطرًّا للحصول على اسم مستخدم وكلمة مرور كلما أسست منظمة أو مؤسسة خدمية موقعًا جديدًا لها على شبكة الإنترنت.
إذن ما هو الحل لوقف مسلسل كلمات المرور وأخواتها وبنات خالاتها؟ في اعتقادي إن الحل بسيط جدًّا، ويتمثل في توحيد جميع مواقع الخدمات الإلكترونية؛ لتكون تحت مظلة «الخدمات الإلكترونية للحكومة»، بمعنى أن يتم تأسيس موقع إلكتروني، تشرف عليه، وتتولى حمايته وتحديثه هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات من أجل أن يكون موقعًا إلكترونيًّا موحدًا لكل الإدارات الخدمية في المملكة العربية السعودية. وبعد ذلك يعطَى كل مواطن اسم مستخدم وكلمة مرور للدخول على الموقع الإلكتروني، واختيار الجهة من القائمة المنسدلة لكل الإدارات الخدمية في بلادنا. وبذلك نكون قد أسهمنا في دمج الخدمات الإلكترونية تحت مظلة رسمية للحكومة ذات مستوى حماية عال لأمن المعلومات؛ ومن ثم توحيد الجهود المبعثرة بما يؤدي إلى خدمة المواطن والمقيم بشكل أفضل وأكثر سرعة وأقوى فاعلية.
من المهم أن نساعد الناس على توفير أوقاتهم وجهودهم وطاقاتهم المهدرة في البحث عن كل جهة خدمية على حدة. ومن المهم أيضًا أن نعينهم على تخفيف معدل الضغط الشديد على ذاكرتهم لاسترجاع بيانات الدخول الكثيرة، ولاسيما أن بعضهم قد تقدم به العمر، ولم تعد ذاكرته جيدة لحفظ واسترجاع البيانات الرقمية باللغة الإنجليزية، فضلاً عن استرجاع البيانات والمعلومات بلغته الأم.
إنني على يقين بأن هذه الخطوة سوف تشكل - في حال اعتمادها - نقلة نوعية في مسار الحكومة الإلكترونية، بما ينعكس على جودة وسرعة الخدمات من ناحية، وتعزيز قواعد أمن المعلومات الإلكترونية من ناحية أخرى.