د. أحمد الفراج
من يتابع الحراك السياسي في أمريكا خلال الشهر الماضي، يلحظ حدثين مهمين، كان أولهما هو قرار ترمب بسحب القوات الأمريكية من سوريا، بعد مكالمة هاتفية مقتضبة مع الرئيس التركي، وهو القرار الذي أفضى إلى استقالة الجنرال، جيمس ماتيس، أحد أهم أركان إدارة ترمب، الذي سبق أن عزله أوباما، عندما كان قائدًا لأهم قوة عسكرية أمريكية، أي القيادة المركزية، وذلك بعد أن اختلف الرجلان حول تقييم خطر إيران، إِذ كان ماتيس حجر عثرة، أمام رغبة أوباما في التقارب مع إيران، فقد كان الأخير مستعدًا لعمل أي شيء، والتنازل عن أي شيء، في سبيل إنجاز الاتفاق النووي، فيما كان الجنرال المتمرس يرى إيران خطرًا يهدد الأمن القومي الأمريكي بشكل مباشر، وبالتالي ضحى بموقعه المرموق في سبيل قناعاته، وقد فعلها ثانية مع ترمب، وضحى بأعلى منصب عسكري، إِذ رأى أن قرار الانسحاب من سوريا خذلانًا لحلفاء أمريكا، وهو يؤمن بأهمية الحلفاء، ووجوب حمايتهم، وعدم التخلي عنهم تحت أي ظرف.
الأمر المثير هنا هو أن ترمب خسر جنرالاً لا يعوض، رغم أن الانسحاب من سوريا قد لا يتم في نهاية المطاف، أو يتم تأجيله لأجل غير مسمى، فمستشار الأمن القومي، جون بولتون، لا يبدو مؤيدًا للانسحاب، الذي سيتيح لتركيا التوسع داخل سوريا، وغني عن القول إن بولتون أصبح رجل إدارة ترمب القوي، بعد رحيل وزير الدفاع، الجنرال ماتيس، وتتوجب مراقبة الوضع عن كثب، لمعرفة مستقبل آخر أهم أركان إدارة ترمب، وزير الخارجية مايك بومبيو، فرغم أنه على وفاق تام مع الرئيس، ولا يزال منسجمًا مع قراراته، ويحظى بتقدير خاص، منذ أن عينه ترمب مديرًا لوكالة الاستخبارات المركزية (CIA)، إلا أن رحيل رجالات ترمب المستمر، وآخرهم الجنرال ماتيس، الذي لم يكن أي من المراقبين يتوقع رحيله، يوحي بأن رحيل بومبيو قد لا يكون مستبعدًا.
الحدث المهم الآخر كان تصعيد ترمب لمسألة تمويل الجدار العازل، بين أمريكا والمكسيك، وهو الأمر الذي أفضى لتعطيل الحكومة، وربما يتم إعلان حالة الطوارئ، ولا شك أن ترمب نجح من خلال هذا التصعيد في صرف الأنظار عن القضايا التي تسبب له ضغطًا مستمرًا، منذ فوز الديمقراطيين بأغلبية مجلس النواب في الانتخابات النصفية الماضية، وهما قضية تقرير المحقق الخاص، روبرت مولر، حول تدخل روسيا بالانتخابات الأمريكية الماضية، وملاحقة مجلس النواب له، بخصوص سجله الضريبي، الذي يرفض الإفصاح عنه حتى اليوم، والعجيب أن ترمب صعّد موضوع بناء الجدار مؤخرًا، وتعامل مع الأمر على أنه قضية قومية كبرى، ولم يفعل ذلك، خلال العامين الماضيين، عندما كان الجمهوريون يسيطرون على مجلسي الشيوخ والنواب، ما يؤكد أن التصعيد حاليًا يهدف لصرف الأنظار عن الضغوط التي يواجهها، ولن يكون هذا التصعيد هو نهاية المطاف، فقد تتطور الأمور بشكل أكبر، وهذا سيكون موضوع المقال القادم!.