عبد الرحمن بن محمد السدحان
معالي فقيد الوطن الكبير الدكتور غازي القصيبي -رحمه الله- قامة عملاقة لرجل متعدّد المنابر، متنوّع المواهب، غزير الإنتاج شعرًا ونثرًا! تنتمي كل تلك الخصال إلى قبيلة (الإبداع)!
• فهو أمير القافية الجميلة.
• وهو المفكّر المحلّق.
• وهو المحلّل السياسي الفَارِه.
• وهو صاحبُ الذاكرة التي لا يعرفُ النسيان إليها سبيلاً!
***
• وقد اكتشفتُ مؤخَّرًا أنه كاتب رواية بنمط يختلف عمّا ألفناه في بعض مخرجات فنه الروائي البديع كشقةِ الحرية وسواها، جاء ذلك عبر رواية (مسرحية) قصيرة كتبها في (155) صفحة من القطع الصغير، بعنوان (القفص الذهبي) وقد اعتمدتْ على الحوار المباشر بين بطليْ الرواية (راشد وسوسن) بجذور وأصول بحرينية، وصاغها المؤلف بلهجة بحرينية بامتياز! وقد أعدّها (في الوقت الضائع) عقب إنجازه أطروحةَ الدكتوراه في لندن وتسليمها للجامعة وكان ينتظر موعد مناقشتها!
***
• والطريفُ في الأمر أن الكتاب دخل مكتبتي الخاصة متوّجًا بإهداء جميل منه قبل وفاته - رحمه الله - بأشهر قلائل، ولكن ظروف العمل وتحدّياته (أنستني) إيّاه سنينًا حتى عثرتُ عليه قبل أيام، فقررتُ أن أخصّص وقتًا لقراءته.. قبل الكتابة عنه. وهكذا كان!
***
• لا أنفي أن قراءةَ الكتاب لم تكن أمرًا يسيرًا، لأنه أُعِدَّ بلهجة ومفردات أشقائنا في دولة البحرين، واعترف أنها غير مألوفة لدى سمعي وفهمي المتواضع، لكنني قررت أن أمضي في قراءة النصّ حتى النهاية، وكنتُ مع كل صفحة أطويها أشعر بسعادة أنّني فعلت، إلى جانب أن القصة ذاتها كانت مشوّقةً جدًا، لأن صاحبها انتزع وقائعها من نسيج المجتمع البحريني الشقيق.
***
• وزادني الاستغراق في قراءتها أن المؤلف صاغَها حوارًا بين فتى وفتاة، ساقتهما الصدفةُ للحديث عبر الهاتف من خلال مكالمة تلقَّاها الشاب (راشد) من الفتاة (سوسن) خطأً، ورغم ذلك، استغرق الشابان في الحديث الهاتفي.. ثم تتابعت الاتصالات بينهما صُبْحًا وعشيًّا حتى اقترب كلُّ منهما للآخر (عاطفيًا)، وقرّرا أن يتوِّجا هذا الاقتراب الثنائي الحميم بالزواج!
***
• القصة من حيث التكوين والمضمون تعرضُ (أطروحة) حب كانت الصدفة وحدها فاتحةَ الحَدَث السعيد، وقد صاغها نصًّا عملاق الحرف الفصيح غازي، بلهجة أبطالها في البحرين لتَخْرجَ تحفة إنسانية تشرح الخاطر بهجةً، وتملأُ الوجدانَ أُنسًا! وقد أنجزها في فترة قياسية كان خلالها ينْتَظرُ الدعوة لمناقشة رسالة الدكتوراه بجامعة لندن!
***
• تخلّل القصة سجالٌ جاد تناول بعض أوضاع الأمة العربية، وخاصة ما يخص صراعَها الأزليَّ مع الكيان الصهيوني، واستحواذه عبر مراحلَ على الكيان الفلسطيني، انتهاءً بالقدس الشريف!
***
وبعد..،
• فمرة أخرى ومثلها أخريات، يَعبُر غازي المسارَ الصعبَ، ليصوغ لنا رواية مسرحية باللهجة المحلية (للبحرين الشقيق) ويفاجأ قرّاءَه ومحبِّيه بهذا المؤلَّف الجميل، ولِمَ لا.. وقد حنَتْ له هامةُ الشعر وهو ابن التاسعة، ثم في زمن لاحق خلال مشواره الأكاديمي في أمريكا وإنجلترا، صاغ بلغة هذين البلدين نصوصًا شعرية ونثرية
أو نقل عنهما، إلى اللغة العربية أعمالاً إبداعية، شعْرًا ونثرًا!
حقًا.. إنه -رحمه الله- مبدع الأجيالْ!