لكل أمة تاريخها الذي به تعرف حضارتها وتفاخر بماضيها وتزهو بحاضرها وتستشرف مستقبلها، وكل أمة ترى أن لديها من المآثر ما يُمَكِّنها من الوصول إلى قمة ليس لها أُفول! هذا فيما يتعلق بالحضارات المختلفة والحقب التاريخية المتباينة والثقافات والعقائد المتعددة.فإذا ما كان الفخر بحضارة زكّاها ربنا من فوق سبع سماوات: حضارة الإسلام كان له شأن عظيم وروح أخّاذة وتفاصيل تستجلب الألباب.
وإذا كان التاريخ لوطن تهفو له قلوبٌ في شتى أصقاع الدنيا وأنحاء الأرض، وترى فضله أعين منصفة من شرفاء العالم -مسلمين وغيرهم- وتعرف قدره نفوس تطمح للمعالي وتُدرك حجم الجهود المبذولة في سبيله؛ إذا كان ذلك كذلك حُق لنا أن نستشعر النعمة وندرك عظمة المنة. وأن يستقر ذلك في نفوسنا حمداً وشكراً وسعياً متواصلاً لمزيد من الخير والفضل والإبداع والعطاء.
والتميز التاريخي للمملكة العربية السعودية يدركه أولئك الذين عاصروا الحقب التاريخية وشهدوا أحداثها وشاهدوا معالمها وعاصروا رجالاتها وعاشوا ظروفها وتابعوا أخبارها إما مباشرة بأنفسهم أو سمعوه رواية من أسلافهم، أو من خلال ما يعرض من بعض فصوله-رغم محدوديته- في وسائل الإعلام المختلفة ومحركات الشبكات الاجتماعية.
والذي يجب أن نتنبه له: أن تاريخاً عريقاً مثل تاريخنا في المملكة العربية السعودية جدير أن تعرفه الأجيال معرفة حقيقية بما يحويه من أمجاد وما يشمله من تضحيات وما ينطوي عليه من دروس وعبر، هذه المعرفة ينبغي أن تناسب عقولهم وتتواءم مع مراحلهم العمرية وتواكب التطور الذي يعم مختلف المجالات وتنسجم مع ما يمثله التاريخ من قيمة للفرد ولوطنه وما يشكله من رقم له ثقله الحقيقي على خارطة العالم.
إن من واجبنا تجاه الأجيال أن نعرض لهم التاريخ ونخرجه من بطون الكتب والمصادر وأن نقدم لهم تاريخهم وأمجادهم بالأشكال التي تتناسب ومراحلهم العمرية والمستجدات العصرية من خلال تبسيط الحقائق التاريخية وقولبتها في أشكال متعددة كالملتقيات التاريخية، والمسابقات الثقافية، والأفلام القصيرة، والأماسي والأصابيح التاريخية، والقصص القصيرة، والقصائد الشعرية، والمشاهد المسرحية والأفلام الوثائقية والبرامج التفاعلية واللقاءات التعريفية بالأماكن والأحداث التاريخية والشخصيات الرائدة التي أسهمت في صناعة المجد.
إن العناية بتاريخنا وحضارتنا وفق قيمنا وأصالتنا يحقق أهدافاً كبيرة من أهمها: ربط الأجيال بتاريخ آبائهم وأجدادهم ومآثر أسلافهم، وتعزيز الانتماء الصادق لدينهم ووطنهم وولاة أمرهم، وتطوير الذات بالبرامج والمهارات التي تعين على فهم التواصل وفنون الاتصال. وبناء الثقة في نفوس الجيل حينما يرون وطناً شامخاً بدأ من الصفر وأصبح علامة فارقة على كافة الأصعدة،كما أن ذلك يدعم الوعي الثقافي الصحيح للتاريخ من خلال استقاء المعلومات من مصادرها العلمية الموثوقة، وما فيه من تحفيز الإيجابية في التعامل مع الظروف والمواقف والأشخاص بما يحقق الأهداف ويسمو بالطموحات، والتصور السليم للصورة الذهنية عن الوطن بقيادته وشعبه وتطلعاته وطموحاته وآماله. وإعداد سفراء ثقافيين من الأجيال المختلفة تخاطب أجيال العالم برصين عبارتها وصادق مشاعرها وحقيقة انتمائها ورقي ثقافتها واعتزازها بوطنها.
وحريّ بالجهات ذات العلاقة أن يكون لها زمام المبادرة إلى إنشاء القوالب والحيثيات التي تفي بهذا الغرض وتحقق الأهداف ولعل من أهمها: دارة الملك عبدالعزيز، هيئة السياحة والآثار، مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، وزارة التعليم وزارة الإعلام، هيئة الثقافة وهيئة الترفيه وغيرهم. كلٌّ بحسبه في مجاله.
إن ذلك كفيل أن يوفر لأجيالنا مادة ثريّة تُعطِّر حياتهم وتنعش نشاطاتهم وتبني شخصياتهم وتستثمر أوقاتهم وتحفظ قيمهم ومبادئهم وتنير بصائرهم وتعين على الاستفادة من الماضي في العناية بالواقع والاستعداد للمستقبل وتحقيق أعلى الطموحات وأسمى الغايات في ظل عقيدة صحيحة وقيادة حكيمة ورؤية طموحة ونفوس إلى أفق السماء تواقة.