يوسف المحيميد
ما معنى أن تهرب مراهقة سعودية من والديها إلى بلد أجنبي بحجة سوء المعاملة، ثم تتلقفها القنوات ووسائل الإعلام، ثم تحتضنها الأمم المتحدة كلاجئ؟ وهل أي فتاة مراهقة في أي دولة تعاني من سوء المعاملة ستحتضنها الأمم المتحدة؟ وهل الأمم المتحدة تركت مهامها الدولية الكبرى لتعمل مستشارًا اجتماعيًا في نزاعات عائلية؟ أعرف أنه ينبغي علينا كبشر في هذا العالم الفسيح أن نعنى بإِنسانيتنا، لكن هذا الأمر يجب ألا يبالغ فيه العالم، وتتحول قضايانا الصغيرة في السعودية إلى عناوين نشرات الأخبار في بعض القنوات والصحف الأجنبية، على عكس ما يحدث في أي بلد عربي آخر.
وبعيدًا عن تلهف العالم على ما يحدث في بيتنا السعودي، أعتقد أننا بحاجة إلى معالجة مشاكلنا بأنفسنا، وفيما بيننا، وداخل بيتنا، فلماذا لا يلجأ المراهقون والمراهقات إلى الجهات المختصة لدينا؟ جهات العمل الاجتماعي التي تتبع لوزارة التنمية الاجتماعية؟ هل لأنها لا تقوم بدورها كما يجب، فلا يثق بها هؤلاء؟ أليست أول أربع كلمات في رسالة وزارة العمل والتنمية الاجتماعية: «توفير الدعم والحماية الاجتماعية...»؟ فإذا كانت توفر الدعم والحماية الاجتماعية لأفراد المجمتع لماذا يهرب هؤلاء ويطلبون الدعم والحماية من منظمات دولية؟
أعتقد أننا بحاجة إلى عمل مؤسسي وقانوني كبير على المستوى الاجتماعي، والاستعانة بالمستشارين الاجتماعيين والطب النفسي العائلي والخبراء القانونيين وخبراء المنظمات الاجتماعية والحقوقية وغيرهم، نحن بحاجة ماسة إلى رفع مستوى الوعي الأسري، وبضوابط العلاقة بين الآباء والأمهات وبين الأبناء، فلا يمكن أن يبحث الأبناء والبنات عن أي سبب تافه، يتعرض له ملايين مراهقي العالم المتقدم، كي يهربوا ويصنعوا قضية من لا شيء، وليس منطقيًا أن يتعامل الآباء والأمهات مع أولادهم وبناتهم كممتلكات يتصرفون بها كما يشاؤون، يقررون مصائرهم بخصوص الدراسة والعمل والزواج... إلى آخره، فليس البر أن يصبح الابن أو الابنة دمية في يد والديه، مسلوب الإرادة والقرار، وليس من الرعاية أن يتوهم الأب أو الأم أن دورشه يعني أن يحمل (السوط) كي يقود (الرعية)، فلا الخنوع ولا الترهيب يؤدي إلى تقديم جيل حر ومسؤول، فالتربية تعني إيجاد بيئة صحية للحوار والتفاهم والحرية والمسؤولية، وليست بيئة أوامر وعناد وقمع وفوضى، نحن فعلاً بحاجة إلى ترتيب بيتنا على المستوى الاجتماعي، بدلاً من ترك قضايانا الاجتماعية بيد المنظمات والباحثين عن الشهرة والأصداء في الإعلام.