د.عبدالله مناع
بعد الجهود الديبلوماسية الخارقة، التي بذلها المبعوث الأممي «مارتن جريفيث» - البريطاني الجنسية والجدير بـ(حل) النزاعات السياسية المستعصية - لحل «النزاع اليمنى» بين «الشرعية» و»المليشيات الحوثية» الانقلابية.. التي استولت على «السلطة» - بـ«القوة» وأموال، وبقية نفوذ الرئيس السابق علي عبدالله صالح على القوات المسلحة اليمنية- في مدن الشمال اليمنى.. أو ما كان يعرف قديمًا بـ(اليمن الشمالي) قبل قيام (الوحدة اليمنية) في تسعينات القرن الماضي بين الشمال والجنوب.. والتي كان (أولها): حمل المليشيات.. على القبول بـ(التعهد) الذي أطلقه «جريفيث» فور تعيينه في شهر فبراير الماضي، وقبوله بـ(مهمة) المبعوث الأممي لحل (النزاع اليمنى).. خلفًا لسابقه (ولد الشيخ أحمد).. عندما قال في «تعهده» بـ(العمل) الجاد لتسيير العملية السياسية.. على أساس «المبادرة الخليجية» المعتمدة دوليًا، و»مخرجات الحوار الوطني اليمني الشامل» و»قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216»)، وكان (ثانيها): إقناع المليشيات الحوثية بتعيين (وفدها) لمحادثات (السويد) التي استضافتها العاصمة السويدية: «استوكهولم» الشهر الماضي، وكان (ثالثها) نقل وفد المليشيات الحوثية.. إلى «استوكهولم» على طائرات الأمم المتحدة، وكان (رابعها).. تذليله عقبة رفض «المليشيات الحوثية» الجلوس وجهًا لوجه.. مع وفد الشرعية اليمنية!!، وكان (خامسها): جلوس الطرفين -وجهًا لوجه- على مقاعد تلك القاعة السويدية التاريخية، التي كانت لا تفتح أبوابها.. ولا تستضيف أحدًا في رحابها.. إلا لزعامات العالم، وكبار ساسته!! وكان (سادسها): «الإعلان» عن وصول الطرفين المتنازعين: «الشرعية» و»المليشيات الحوثية» الانقلابية.. برعاية وزيرة الخارجية السويدية، والمبعوث الأممي «جريفيث» نفسه إلى (اتفاق) حول المرحلة الأولى من خطوات (حل النزاع) والمتمثلة في إطلاق سراح.. المليشيات الحوثية.. للمعتقلين والمختطفين اليمنيين الذين قامت باختطافهم وأسرهم والذين، قُدرت -أعدادهم بأكثر من خمسة عشر ألف معتقل ومختطف.. يعقبها انسحاب «المليشيات الحوثية» من موانئ «الحديدة» الثلاثة.. فمن مدينة الحديدة نفسها وتسليمها إلى سلطات الشرعية اليمنية خلال واحد وعشرين يومًا.. تطبيقًا لـ (اتفاق) استوكهولم، ثم جلوس «الطرفين» برعاية وزيرة خارجية السويد والمبعوث الأممي.. لبحث آلية تنفيذ بقية بنود قرار مجلس الأمن (2216)؟!
لتنفض جلسات استوكهولم.. بهذا «الاتفاق» الذي بدا مبشرًا وجميلاً ساعتها، الذي تناقلت صور الاحتفاء به.. معظم الفضائيات العالمية.. وما كان فيها من عناق وقبلات بين وفدي الطرفين المتنازعين...؟!
وقد واصل «جريفيث» -بعد مغادرة أطراف النزاع لـ(السويد)، وعودتهم إلى مقارهم: وفد «الشرعية»، إلى «عدن»، ووفد «المليشيات الحوثية» إلى «صنعاء»، وهو شخصيًا.. إلى مقر عمله في «نيويورك» -جهوده في إنجاح مهمته- التي يمكن القول.. بأنها واحدة من أعسر وأصعب المهمات الديبلوماسية في الثلث الأول من الألفية الثالثة!! بـ»تعيين» الجنرال الهولندي: «باتربك كاميرت».. رئيسًا لفريق المراقبين الأمميين، الذين اعتمد تعيينهم «جريفيث» لمراقبة وقف إطلاق النار، وإطلاق سراح المعتقلين والمختطفين، وإنفاذ انسحاب المليشيات الحوثية من موانئ الحديدة ومن الحديدة نفسها، وتسليمها لـ»الشرعية اليمنية».. وهو ما تم الاتفاق على تسميته دبلوماسيًا بـ(إعادة انتشار) المليشيات الحوثية في أطراف «الحديدة»!!
***
لكن.. ما إن عاد وفد «المليشيات الحوثية» الانقلابية إلى «صنعاء».. إلا وعادت معه (ريمه) -كما يقول مثلنا الشعبي العامي المعروف- (إلى عادتها القديمة).. إلى المراوغات، والخداع والكذب والتضليل.. بل والتنصل مما تم الانفاق عليه مؤخرًا في العاصمة السويدية «استوكهولم».. جملة وتفصيلاً.. والمتمثل في الالتزام بـ (وقف إطلاق النار) من جانبهم.. كما هو من جانب الشرعية والتحالف العربي المساند لها، وإطلاق سراح الرهائن، والانسحاب من موانئ الحديدة.. ومن الحديدة نفسها وإعادة انتشار المليشيات الحوثية كما اسماه (اتفاق استوكهولم) الأخير في أطراف «الحديدة»!!
لكن «المليشيات الحوثية».. وبالرغم من وجود المراقبين الأمميين ورئيسهم الجنرال «باتريك كاميرت».. تنصلت من إطلاق سراح المعتقلين لديها، وهي تدعي بأن عدد المعتقلين لديها هم 2800 معتقل.. وليسوا - كما ذكرت «الشرعية» بأنهم أكثر من خمسة عشر ألف معتقل، ومع ذلك لم يجر حتى إطلاق سراح هؤلاء الـ(2800) معتقل كما ادعت.. أما بقية المعتقلين.. فـ(الله) وحده أعلم أين ذهبوا...؟ وهل قتلتهم جميعًا.. أم أنها أودعتهم في سجون مجهولة في براري اليمن وقفارها وأحراشها...؟ أما (وقف إطلاق النار).. فقد ظلت تخترقه (المليشيات الحوثية).. دون خشية من المراقبين الأمميين أو تحذيراتهم أو تقاريرهم التي أعلنوا أنهم سيرفعونها إلى رئيسهم ورئيس لجنة إعادة الانتشار في الحديدة: الجنرال باتريك كاميرت.. ليرفعها بدوره إلى المبعوث الأممي لحل النزاع: «مارتن جريفيث»، أما قضية الانسحاب من موانئ الحديدة الثلاثة.. فقد حولتها المليشيات الحوثية إلى (مسرحية بلهاء).. كما وصفتها وكالات الأنباء العالمية، فبدلاً.. من انسحاب «المليشيات الحوثية» من الموانئ الثلاثة وتسليمها لـ(إدارة الميناء) التابعة لـ(الشرعية اليمنية).. قامت المليشيات الحوثية بسحب مجموعتهم السابقة وإحلالها بـ(مجموعة) جديدة من «المليشيات الحوثية».. بعد أن ألبستهم (بذات) رجال الأمن اليمنيين، ثم ادعت بعد ذلك بأن الانسحاب قد تم من موانئ الحديدة بحضور المراقبين الأمميين ورئيسهم الجنرال باتريك وهو (كذب صريح).. لا يجرؤ على ارتكابه إلا «المليشيات الحوثية» الانقلابية وأمثالها من (أنصاف العقلاء)!!
ليطير المبعوث الأممي (جريفيث) عائدًا من نيويورك إلى صنعاء -الأسبوع الماضي- في محاولة منه لإنقاذ (المرحلة الأولى) مما تم الاتفاق عليه في استوكهولم، وتطويق هذا (الانقلاب) الحوثي الجديد، وقد حذرهم من العواقب الوخيمة أو (المؤلمة) كما وصفها جريفيث التي سيتعرضون لها: جماعات وأفرادًا إن هم مضوا في هذا الانقلاب على المرحلة الأولى من اتفاق استوكهولم، الذي لن تعقد جولته (الثانية) إلا بعد إنجاز المرحلة الأولى منه بـ(إطلاق سراح) المعتقلين، والانسحاب من موانئ الحديدة الثلاثة، ومن الحديدة نفسها.. وإعادة انتشارهم في أطرفها.. إلا أنه عاد -كما جاء في أخبار الأسبوع الماضي- خالي الوفاض!!
وهو ما يعنى أن الأمر سيعود ثانية إلى «مجلس الأمن».. وتوصيات «جريفيث» والجنرال «كاميرت» إليه.. حول انقلاب «المليشيات الحوثية» على المرحلة الأولى من (اتفاق استوكهولم)، وهو ما يعنى أيضًا وهو الأخطر والأهم!! أن «المليشيات الحوثية» الانقلابية.. لم تعد تواجه (الشرعية اليمنية) وقوى «التحالف العربي» المساندة لها وحدهما.. بل أصبحت تواجه (المجتمع الدولي) بأسره، الذي لن يرضى بهلاك (اليمن) أو انهياره.. أو بحكم رعاع الـ (مليشيات الحوثية) الانقلابية له بـ (القوة)، وأمامه (مخرجات الحوار الوطني اليمنى الشامل) بـ (ديموقراطية) تركيبته، وعظمة ما توصل إليه دستوره المقترح بإقامة «دولة الجمهورية اليمنية الفدرالية» من ست مقاطعات.. الذي أنجزته نخبة اليمنيين وصفوتهم عبر لجانه التسع!! على مدى عام.. بطوله!!
ولذلك.. فإنه لم بعد أمام (المليشيات الحوثية) -إن عقلت!!- غير خيار واحد، هو خيار القبول.. بتطبيق المرحلة الأولى من «اتفاق استوكهولم»، والرضا في النهاية بأي نصيب سياسي تمنحه لهم اتفاقية المرحلة الأولى من (اتفاق استوكهولم) والاتفاقيات اللاحقة من بعدها...!!