د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
أؤمنُ كثيراً بأن المعلومات ولغة الأرقام والدراسات البحثية تُسهِّل الدخول لتناول الموضوعات وتقويمها!
ويبدو النشاط المدرسي وقد تقاصرتْ همم الباحثين عنه، وهو من لوازمنا المدرسية العتيدة التي لم تمسها أيدي الباحثين إلا لماماً لا يُذكر!! حتى في وجود المراكز البحثية في الجامعات التي اتحدتْ مع التعليم العام مرجعياً !! والنشاط عنصر يجب أن يحظى بإجراء بحثي تقويمي ليتجاوز حصار الأنشطة السائد إلى فضاءات الوعي الشامل؛ وما زال النشاط المدرسي حتى بعد أن توشح ساعته الجديدة التي كانت فكرة ولِدتْ «خديجاً» فكَثُرَ عليها اللوم إلا من المستهدفين أنفسهم، حيث كان يجب أن يتصدروا صفوف الآراء حولها وما فعلوا!! فقد فشلت ساعة النشاط لفقدانها المهارات التعاونية عند الطلاب، ولأنها لم تندمج في مستجداتنا الحضارية وفق ما استحدث من ثقافات جديدة؛ وما صافحنا من بشارات النهوض لكثير من البيئات المكانية؛ وضخ ماء الحياة في كثير من تراثنا المطمور؛ والأهم أن ساعة النشاط أخفقتْ في تعزيز التعلم المعرفي عند الطلاب، ولم تكن أنشطة ممتدة بل فقدت اتصالها المتين حين جعلت النشاط لكل فصل، ولم يكن لكل طالب وفق ميوله واستعداده، وبالتالي توارتْ عن الإسهام في تحقيق الهدف الأسمى من التعليم وهو إعداد الطالب للنجاح في الحياة وتمكينه من ارتياد المواطنة العالمية والمنافسة في ميادينها (وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا) (77) سورة القصص.
فما زال النشاط المدرسي يحتاج إلى نموذج نظري تطبيقي مؤازر للتوجهات الوطنية وإلى مقاربة المطالَب المُلحّة لمجتمعات الطلاب المعاصرة لتحقيق الاندماج فيها ومعها، وبناء القيم العليا والتشاركية المجتمعية المؤطرة والتعامل مع عقول الطلاب على أنها ليست ذات حدود ! كما يحتاج النشاط إلى مشروعية عمل إجرائية تمكن المتعلمين من مغامرات المسرح؛ وتحديات المثاقفة وطيورها الملونة حول منصات المتعلمين التي يجب أن يتقنوها بأنفسهم ليبلوروا من خلالها حياتهم في ميادين قصصية وروائية وتشكيلية، وأن تضطلع الفنون بدورها في ترقية الذوق والذائقة عندهم؛ فالفنون رسالة تنويرية وهي قدرة حافزة على استنطاق الذات، تتيح للمتعلمين مساحات من التعبير عن أنفسهم بأشكال الفن المختلفة؛ وليس كالفنون والآداب ما يُحقق المثاقفة ويجسر المسافات ويستنطق المخزون عند الطلاب! كما أن ارتياد وريادة منصات التطوع الواعية ذات التخطيط الممنهج وحيازة الفكر المهني الغزير من الأنشطة التي تحتفي بالحياة، فالتطوع ابن بار بالنشاط المدرسي إذا ما تبلورت قنواته وصُقلتْ.
فالنشاط يقدم للطلاب نظرة واعية عملية يستعملها المتعلمون للوقوف على أقدامهم، ويرتقي بشبكة العلاقات بين الطلاب ووطنهم الأرحب، ويحقق لهم قفزات في تكوين الفكر الواعي المتطور والإضافات الذهنية الرافدة، ونجزم أن في فضاءات المتعلّمين اليوم ما يستحق التفاتا وخروجا من دوائر التقليدية، ومن هنا فالنشاط المدرسي اللاصفي خاصة إنجاز تربوي هدفه التحضر، فلابد من الدقة في نقش انعطافات الانطلاق وإشراع نوافذ الضوء في ذهنية الطلاب وألا يُكتفى بتنفيذ برامج النشاط، إنما المحك هو ضمان تأثيرها على المتغيرات ذات العلاقة في المجتمع المدرسي والمحيط الخارجي وقدرتها على تحريك التساؤلات وضخ الحياة في فكر المتعلّمين ليكون الفكر ناقداً واعياً، وبما يضمن قيادة الطلاب إلى ما يُولّد لديهم ثقة في مستقبلهم، وبما يضمن اقتناصهم للفرص الوطنية الوافرة.
ولأن وزارة التعليم اليوم بقيادة وزيرها المخضرم معالي الدكتور حمد آل الشيخ تبنت السياسات الشاملة في الإصلاح والتطوير، ولديها على ما يبدو تحول في الخطط وإعادة صياغة ممكنات التعلم؛ ولديها فرص جادة ليس للإصلاح والتطوير فحسب بل فرص كبرى للصعود العالمي! فنأمل أن يكون للنشاط المدرسي اصطفاف آخر، وأن تتم بلورته من خلال منصة واعية أخرى تخرجه من عزلته داخل المدارس إلى فضاءات المجتمع يُبث من خلال استثمار المعرفة لدى المتعلمين كخلاصة في مواجهة التقهقر، ليخلق القيم المُضافة في قدرات المتعلمين إضافة إلى توجيه السلوك الجماعي بما يحقق الذّات الوطنية السامية؛ وليكون المتعلمون السعوديون ذوو حضارة.
نعلم جميعاً أن النشاط ليس مجالاً مستقلاً فلا بد من تكامله مع جميع عناصر التعليم الأخرى يتصدرها التدريس وأدواته والتقويم ومحكاته؛ بل ويجب أن ينطلق النشاط من رواق التعليم الكبير ليحلق بجناحيه مستفيضاً ناميًا؛ ولعل استراتيجية النشاط الأمثل القادمة تتلخص في توديع ساعة النشاط الخجولة التي ولِدتْ بليل، وتحويل النشاط إلى مستراد أرحب في فضاءات الطلاب في كل لحظات الدرس وزمانه ومكانه، وفيما يحيط بفضاءات الطلاب ويرقى لآمالهم، ويلبي شغفهم ويستنبت الوعي الفكري ويغذي الولاء الوطني وفي ثقافتنا ومبادئنا ما يدعم ذلك بقوة وأن تتحقق الشراكة الحقيقية الكاملة بين المؤسسات التعليمية وبين الهيئات الوطنية التي يقوم بناؤها على النشاطات المختلفة بدخولها بوابات المدارس وتقاسم مسؤوليات الأنشطة فيها مثل الهيئة العامة للثقافة وهيئة الترفيه وهيئة الرياضة وهيئة الاتصالات وتقنية المعلومات والهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني ووزارة الحج والعمرة؛ والحج مستراد واسع ومن أغزر الأنشطة الاستثمارية التي يمكن للطلاب إدارة الانفتاح الاقتصادي فيها.