حمّاد السالمي
* أتابع بكل حرص ما يدور من نقاشات حول المتقاعدين الذين كانوا ذات يوم هم عصب الحراك الوظيفي والعملي في البلاد. أشعر بغبطة وارتياح؛ لأن هذه النقاشات تحمل دلالات مهمة: وطنية وإنسانية وأخلاقية. نعم وطنية.. فهم من ساهم وبنى وشيّد وأخلص، وهم من أفنى سني أعمارهم من أجل وطنهم وأبناء وطنهم. ووطنية ثم أخلاقية؛ لأن هؤلاء (الآباء والأجداد) الذين نتحدث عنهم هم اليوم في منعطف حياتي أخير، ورعايتهم وتكريمهم واجب إنساني وأخلاقي، يُسأل عنه أبناؤهم وأبناء أبنائهم الذين حملوا الراية من بعدهم في السلك الوظيفي بكل فئاته وشرائحه.
* تقول الأرقام الإحصائية لديوان الخدمة المدنية والمؤسسة العامة للتقاعد إن عدد موظفي الدولة يناهز المليون ومئتي ألف موظف وموظفة. منهم حوالي سبع مئة وأربعة آلاف موظف، وأربع مئة وخمس وسبعون موظفة. هؤلاء في طريقهم لمحطة التقاعد، كل حسب عمره الزمني والعملي في الوظيفة.
* وتقول كذلك إن عدد متقاعدي القطاع العام المحسوبين على المؤسسة العامة للتقاعد حوالي: (836 ألف متقاعد ومتقاعدة). هذا العدد يزداد سنويًا بمعدل: (7 %). الأحياء من هؤلاء حوالي (615 ألفًا)، والمتوفّى منهم حوالي (221 ألفًا). مجموع ما يصرف كمعاش تقاعدي سنويًا لهؤلاء ولورثة المتوفين: (695 مليار ريال). وشهريًا حوالي (58 مليار ريال). ويقدر متوسط المعاش الشهري للمتقاعد بـ: (6 آلاف ريال). هذا يعني أن هناك من يحصل على معاش تقاعدي في حدود (ألفي ريال) أو أقل، وآخر يحصل على ما فوق (6 آلاف ريال).
* من جانب آخر؛ فإن أرقام المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية تفيد بأن عدد المستفيدين من متقاعدي القطاع الخاص يصل إلى (300000 مستفيد)، ويبلغ مجموع معاشاتهم السنوية: (14 مليارًا و400 ألف ريال)، وشهريًا: (مليارًا و200 ألف ريال)، ويبلغ معدل المعاش الشهري للمستفيد: (4000 ريال). هذا يعني أن معاشات بعض المستفيدين في حدود: (1500 و2000ريال)، والبعض الآخر فوق (4000 ريال).
* نتحدث عن شريحة كبيرة من المجتمع على معاشات التقاعد، عام وخاص، تشكل حوالي: (6 %) من عدد السكان. هذه النسبة تعول أسرًا كبيرة، هي الأخرى ربما يشكل مجموعها: (25 %) من مجموع عدد السكان. هذه الشريحة يصل عددها إلى حوالي: (خمسة ملايين ونصف المليون إنسان)، تعتمد في حياتها على المعاش التقاعدي الذي يستحقه الأب العائل. لكن هذا المعاش ما يلبث أن ينكمش ويضمحل بعد وفاة الأب العائل؛ ليصل إلى أدنى مستوى له حسب ما تقول به اللوائح المنظمة.
* لنلاحظ ابتداءً أن موظفي العام والخاص، الكل منهم يُقتطع من مرتبه الشهري نسبة (9 %) لصندوق التقاعد. فإذا افترضنا أن موظفًا مرتبه: (9 آلاف ريال) في الشهر فهو يدفع في العام: (9720 ريالاً)، وفي نهاية الخدمة بعد أربعين سنة يكون المتحصل له لدى الصندوق: (388800 ريال). وهذا المبلغ يُفترض أنه يرتفع ويتضاعف سنويًا؛ لأن معاشات التقاعد هي جهة استثمارية كبيرة؛ فلها في كل (عرس قرص) كما يقال، وتصل استثماراتها إلى أكثر من (مئة مليار ريال). (58 %) منها في السوق المحلية، و(42 %) منها في السوق الدولية.
* كل موظف قطاع عام أو خاص يصل إلى مرحلة التقاعد بنقص كبير في دخله، بعد أن يكون قد توسع في مصاريفه. تذهب البدلات والامتيازات وخلافها، وهي تشكل عند بعضهم ضعف أو أكثر من ضعف الراتب. هذا فضلاً عن وفاة المتقاعد، وما يتبقى من معاشه بعد ذلك، الذي قد يتقلص إلى مئات من الريالات وليس آلافًا.
* المتقاعد مثله مثل غير المتقاعد في حياته اليومية، بل قد تزيد عليه الأعباء. ومع ذلك؛ فمع بدء التقاعد، وفقده البدلات والامتيازات كافة، فهو ينسى العلاوة السنوية التي تُصرف للموظفين، وإذا تحسنت الرواتب وزيدت فإنه خارج الحسبة، وحتى حظه من بدل غلاء المعيشة جاء نصف حظ الموظف على رأس العمل..! كل هذا في ظل فرض قيمة مضافة، ورسوم كثيرة، وارتفاع أسعار استهلاك البنزين والكهرباء والماء والمواد الغذائية.
* تسعى جهات عدة - ومنها مجلس الشورى، والمؤسسة العامة للتقاعد، والمؤسسة العامة للتأمينات - إلى طرح مسألة التقاعد والمتقاعدين للنقاش، وفتح المجال أمام كُتّاب الرأي، ومنهم معنيون بالأمر من المتقاعدين أنفسهم، ونظن أن الوقت قد حان لمعالجة هذا الملف بشكل أسرع، وأن تستمع المؤسستان (التقاعد والتأمينات) لوجهات النظر التي تتساءل: كم تبلغ أرباح رأس مال معاشات التقاعد خلال أربعين عامًا..؟ ولماذا لا يحصل المتقاعد على نسبة من هذه الأرباح طالما أن رأس مالها من مرتباته الشهرية طيلة أربعين عامًا..؟ ولماذا لا يكون هو من المساهمين في رأس مال صندوق المعاشات..؟
* أسئلة كثيرة ترشح هذه الأيام في خضم النقاش الدائر، نأمل أن تؤتي ثمارها بما يعود على المتقاعدين بالنفع، ورفع العبء عنهم وعن أسرهم.