د. محمد عبدالله العوين
عجيب أمر هذه المنظمة الأممية التي ترى بعين واحدة مغمضة حين تريد وبعينين مفتوحتين حادتين حين تريد!
لقد فشلت في مهمتها حين أنشئت لأول مرة بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى 1919م باسم «عصبة الأمم» ورأى العارفون أنها لم تستطع منع قيام حرب عالمية ثانية فحلت 1945م وتأسست منظمة جديدة باسم «الأمم المتحدة» أنشأها المنتصرون في الحرب، وألغيت السابقة.
مر أكثر من ستين عاما على تكوين هذه المنظمة بعقلية المنتصر في الحرب الذي يملك القوة وفرض الهيمنة بطريقة ناعمة حين تكون السلاسة كفيلة بتحقيق المراد، وبطريقة صلبة حين لا مفر من استخدام الخشونة باستخراج قرار من هذه المنظمة، أو باستخدام حق «الفيتو» ضد قرار يعطل استخدام القوة من الدول الخمس التي منحها الانتصار أو منحتها القوة حق إبطال قرار لا يتفق ومصالحها، أو باللجوء إلى القوة حين يرى أحد الخمسة الكبار أن القرار المراد قد يتم تعطيله من دولة خماسية أخرى لا يتفق مع مصالحها .
وحق النقض هذا الذي منحه المنتصرون لأنفسهم يرسخ مفهوم أن الحكمة ورجاحة العقل والتحضر والإنسانية محصور فقط في من يملك القوة والنفوذ، وأن الدول الأخرى التي لا تحظى بعناصر القوة في الاقتصاد والصناعة والعسكرية ليس لديها من الرشد والحكمة ما يمكنها من اجتراح قرارات تخدم الإنسان في أي جزء من العالم.
لقد ألغى حق «الفيتو» تاريخ حضارات وثقافات وأديان، وشطب بمعيار «القوة» عطاء حضارات لها تاريخ عظيم في مسيرة الإنسانية؛ كالحضارة العربية والإسلامية، والهندية، والفارسية، وغيرها، وخص الحكمة والبصر بما يحسن أن يتخذ من قرارات لصالح الإنسانية بـ»أمريكا وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين» فكأنه يسفه ما عدا هذه الدول ويحط من شأنها ويرى أنها غير جديرة بتشريع ما يخدم الإنسان، أو أنه بصريح العبارة شطب ما تتكئ عليه من قيم وأخلاق وديانات وثقافات وإبداع وإسهام في الحضارة الإنسانية .
وما يحدث الآن من مواقف منحازة أو صامتة أو متخاذلة أو مهادنة أو متلكئة عن تنفيذ قرار اتخذ من هذه المنظمة يصور مدى تغول عقلية «المنتصر المستبد» المهيمنة على هذه المنظمة الأممية.
وإلا أين هي مما يحدث في العالم من إجرام؟ لم تلكأت طويلا وتخاذلت وصمتت عن تطبيق كل القرارات التي اتخذتها المنظمة بتصويت الأغلبية أو بالإجماع ضد الكيان الصهيوني الذي اغتصب أرضا وشعبا وتاريخا وزوره؟ ولم ماطلت طويلا في إيقاف الحرب الدامية على شعب البوسنة المسلم؟ ولم هي صامتة إلى حد العي عن جرائم «بشار الأسد»؟ ولم هي خرساء أمام جرائم مليشيات إيران في العراق وسوريا ولبنان واليمن؟!
إن أدق تعريف لدور هذه المنظمة أنها تشرع قانونا يحمي الظالم أو يصمت عنه أو يطيل أمده أو يهيئ له أسباب الانتصار.
العالم يحكمه الأقوياء لا الحكماء، وتهيمن عليه غطرسة القوة لا رحمة العدل.