د. أحمد الفراج
تحدثت في المقالين الماضيين عن التحديات، التي سيواجهها الرئيس ترمب مستقبلاً، وهي تحديات ضخمة، سواء تعلّق الأمر بملاحقة مجلس النواب له، بخصوص سجله الضريبي، أو بدء إجراءات العزل، في حال صدر تقرير مولر في غير صالح الرئيس، وهو أمر يتوقّعه المراقبون، ولا شيء أسوأ للرئيس الأمريكي من مواجهة كونجرس متأهب وغاضب، كما في حالة ترمب مع الأغلبية الديمقراطية في مجلس النواب حالياً، والأخطر هو خسارة ترمب لجمهوريين من عيار ثقيل، مثل لينزلي قرام وميت رومني وربما غيرهما، وفي هذه الحالة فإن العين لا تخطئ حالة القلق والارتباك، التي تسود البيت الأبيض، ويمكن قراءتها بسهولة، من خلال تصريحات وتغريدات ترمب، التي يبدو من خلالها في حالة دفاع عن الذات المتضخمة، ومن سوء الحظ أنه لا يستمع للمستشارين، بل لا يؤمن بما يقولون فيما لو فعل ذلك.
تظل مشكلة ترمب، التي كتبت عنها كثيراً في هذه الصحيفة الموقرة، وعبر العديد من المقالات، أنه نرجسي وعنيد، يؤمن أنه ليس بحاجة لأحد، وأنه يستطيع هزيمة أي خصم، وهذه حالة نادرة، لم يشهد لها تاريخ أمريكا السياسي مثيلاً، وإلا كيف يقتنع بأن بإمكانه هزيمة ماكينة الإعلام الأمريكي المتوحشة، التي لا يمكن أن يقف في وجهها أحد، وكل ساسة أمريكا يعرفون ذلك، فإما أن تهادن الإعلام أو تتوقّع الأسوأ، فهذا هو الإعلام الذي أسقط رئيساً قوياً وشرساً بحجم ريتشارد نيكسون، بعد أن أفقده صوابه، لدرجة أنه كان في أيامه الأخيرة في البيت الأبيض يتحدث مع صور الرؤساء السابقين، ويفضي لهم بما يدور في خلده، فقد سمعه أحد العاملين في البيت الأبيض، وهو يتحدث بجدية مع الرئيس لينكولن، الذي كان قد رحل قبل ذلك بأكثر من قرن!
أما ترمب، فلا يزال بعد عامين، يناكف ويتحدى، وعلاوة على خصومته مع الإعلام، فهو لم يترك حليفاً لأمريكا إلا ودخل معه في صراع، وتبدو الأمور لدى ترمب معكوسة في كثير من الأحيان، ففي الوقت الذي يناكف حلفاء كبار لأمريكا، مثل كوريا الجنوبية واليابان وفرنسا، تجده يتودد للرئيس الروسي بوتين، وليس هذا وحسب، بل يتعامل بكل احترام وتقدير مع زعيم كوريا الشمالية، الذي كان يهدد بضرب أمريكا، واليوم، يواجه أصعب أيامه، ولا يوجد في الأفق ما يشير إلى أنه في وارد تغيير إستراتيجيته، فهو يضرب في كل اتجاه، فتارة يهاجم الديمقراطيين، وتارة يهاجم هذه الدولة أو تلك، وهو والحالة هذه، سيكون مستعداً للمواجهة على طريقته، وقد لا تكون هذه المواجهة مع الخصوم مباشرة، بل قد تكون عن طريق افتعال أحداث جسام، يهتز معها العالم، وليس أمريكا فقط، وسيتواصل الحديث!