خالد محمد الدوس
عِلم الاجتماع من العلوم الإنسانية الحديثة التي تشكِّل المرتكز الأهم للدراسات الاجتماعية وأكثرها جذبًا للناس، ولكنه ليس أسهلها ولا أبسطها في الدراسة، وذلك لأنَّ العلاقات الإنسانية التي تمثل موضوع هذا العلم الحيوي يمكن أن تكون معقدة أشد التعقيد، كما يزيد من صعوبة هذه الدراسة ويعوقها. إنَّ أهم جوانب العلاقات الإنسانية ليس واضحًا للعيان وليس ظاهرًا، إضافة إلى أن بعض جوانبها لا يمكن ملاحظته ملاحظة مباشرة، وهنا تكمن درجة الصعوبة والغموض. ولقد اهتم عدد كبير من المفكرين والباحثين في الشرق والغرب بالدعوة إلى إثراء هذا العلم الأصيل واستخدام مناهجه العلمية في دراسة المجتمع وظواهره واكتشاف قوانين النظام الاجتماعي الذي يحافظ على استقرار المجتمع وضبط توازنه، وقد أسهم كثير من المفكرين والمنظرين والعلماء في إثراء هذا الميدان العلمي الخصيب، وإشباع اتجاهاته السوسيولوجية، ومن أهم المنظرين في علم الاجتماع السعودي الأستاذ الدكتور إبراهيم الجوير الذي يُعدُّ من أوائل الباحثين والعلماء في علم الاجتماع في المجتمع السعودي وممن أثروا مكتبة علم الاجتماع العربية وتراثها الأصيل (بحثًا وفكرًا وإنتاجاً وتطبيقًا) في المجالات الاجتماعية والأسرية.
ولد البروفيسور إبراهيم الجوير في محافظة الخرج ونشأ في العاصمة الرياض في حقبة السعبينيات الهجرية من القرن الفائت، ونال شهادة البكالوريوس في كلية اللغة العربية من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عام 1973م، ثم عُيِّن معيداً في قسم الاجتماع بجامعة الإمام عام 1975م، فابتعث إلى الولايات المتحدة الأمريكية لدراسة الماجستير في ولاية أنديانا في علم الاجتماع عام 1979م وحصل على درجتها بتفوق، لتتسع دائرة طموحاته العالية فنال أيضاً شهادة الدكتوراه من جامعة فلوريدا في علم الاجتماع عام 1984م، وبعد عودته مسلحاً بالعلم والمعرفة من أعرق الجامعات الأمريكية عُيِّن رئيساً لقسم الاجتماع في كلية العلوم الاجتماعية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وكان أول رئيس سعودي لقسم الاجتماع. وبعد تجربة رائدة في تنظيم وإدارة قسم الاجتماع بالجامعة العريقة.. أُعيرت خدماته إلى المركز العربي للدراسات الأمنية والتدريب، وذلك لمدة عام وتحديدًا في 1-9-1406هـ إلى 30-8-1407هـ، وعمل مساعداً لرئيس المركز.. ثم عاد مهرولاً إلى الجامعة الرائدة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية لينهل طلابه من معينه السوسيولوجي الصافي، وفي عام 1988م صدر قرار مجلس الجامعة بالمصادقة على توصية المجلس العلمي بترقيته إلى أستاذ مشارك.. ولعطائه العلمي وإنتاجه البحثي الرصين صدر قرار مجلس الجامعة بالمصادقة على توصية المجلس العلمي بترقيته إلى الدرجة (الأستاذية) وهي أعلى درجة علمية وظيفية في الجامعة، ويعتبر ثاني أستاذ سعودي في علم الاجتماع.
عمل عضواً فاعلاً في عدد من اللجان، وحضر عدداً من المؤتمرات والندوات في الجامعة وخارجها، وشارك في عضوية المجلس العلمي لدورة كاملة وعضوية اللجنة التعليمية في المجلس العلمي، وعضوية الأمانة العامة للمؤتمر العالمي عن تاريخ الملك عبدالعزيز، وعضو هيئة تحرير مجلة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وشارك عضوًا فاعلاً مع فريق التقويم الشامل للتعليم في المملكة العربية السعودية، وعضوًا في هيئة تحرير مجلة الأمن التي كانت تصدر في وزارة الداخلية بصفته مستشاراً غير متفرغ، وعضو مجلس إدارة الجمعية السعودية لعلم الاجتماع والخدمة الاجتماعية، وعضو جمعية الاجتماع الأمريكية، وعضو اللجنة الحكومية المعنية بحقوق الإنسان، وعضوًا في المجلس العلمي للمعهد العلمي للعلوم الأمنية لفترات. كما عُيِّن مستشاراً لمعالي وزير التعليم العالي ضمن الهيئة الاستشارية لمعاليه. كما اتجهت بوصلة عضويته للعمل مستشارًا اجتماعيًا لعدد من وسائل الإعلام المختلفة، كما كتب الدكتور الجوير زاوية بعنوان (يوميات)، ثم (إشراقه) في صحيفة الجزيرة موظفًا خبرته العلمية والمهنية وأفقه الثقافي الاجتماعي الواسع في تناول قضايا مجتمعية هادفة تهم الوطن والمواطن، كما أشرف على عدد من الرسائل العلمية وناقش عدداً آخر في جامعة الإمام، وغيرها من الجامعات، كما حّكم كثيرًا من أبحاث الترقية والنشر في داخل المملكة وخارجها ويعتبر محكمًا معتمدًا لعدد من المجلات والمجالس العلمية.
شارك عالم الاجتماع (الجوير) ضمن وفود الصداقة التي ذهبت إلى عدد من دول العالم أثناء أزمة الخليج الثانية، كما مثل المملكة العربية السعودية في المجلس التنفيذي للمنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم، وعضو المجلس التنفيذي للايسيكو لمدة ربع قرن من العطاء.
كما حاضر -رائد علم الاجتماع في المملكة - عن المجتمع السعودي (دينيًا واجتماعيًا وثقافيًا) في عدد من الجامعات والمراكز العلمية والإعلامية في الخارج، وشارك محاضرًا في الأيام الثقافية للجامعات السعودية في رحاب الجامعات السورية عام 1417هـ، والأيام الثقافية في رحاب جامعات الإمارات العربية المتحدة عام 1421هـ، ليتوج حضوره العلمي البهي بنيله العديد من الدروع والشهادات التقديرية من المؤسسات الأكاديمية والتعليمية الوطنية من أصحاب السمو الأمراء وأصحاب المعالي وكبار المسؤولين بالمملكة العربية السعودية.
وعندما تتجه بوصلة إنتاجه البحثي، فقد كان للسنوات الطويلة التي قضاها الخبير الاجتماعي (الجوير) في رحاب الصروح الأكاديمية إنتاج غزير من الأبحاث والتأليف والأطروحات الرصينة ومنها:
1 - التنمية والاستقرار في المملكة العربية السعودية.
2 - الأسرة والمتغيرات التنموية في المملكة العربية السعودية.
3 - الأمن والمتغيرات التنموية.
4 - العمالة الوافدة وأثرها على المدينة العربية.
5 - ماكس فيبر والاقتصاد الإسلامي باللغة الإنجليزية.
6 - ابن خلدون وعلم الاجتماع باللغة الإنجليزية.
7 - التربية الإسلامية وأثرها في علاج وانحراف الأحداث.
8 - عمل المرأة في المنزل وخارجه.
9 - تأخر الشباب الجامعي في الزواج.
10 - المخدرات المشكلة وعلاجها.
11 - الأسرة إلى أين؟
12 - الأسرة في المملكة العربية السعودية.
13 - العولمة والأسرة.
14 - علم الاجتماع الأدبي.
15 - وظيفة الأسرة والتنشئة في الحوار.
16 - الأسرة والمجتمع (دراسات في علم الاجتماع العائلي).
وغيرها من الأبحاث العلمية في القضايا الاجتماعية والأسرية والأمنية التي تتجاوز ثلاثين بحثاً في هذه الاتجاهات المجتمعية.
وتتويجاً لمسيرته العلمية والبحثية والتعليمية الرصينة.. جاء القرار الملكي الكريم في تاريخ 3-3-1430هـ باختياره عضواً في مجلس الشورى في دورته الخامسة ولمدة أربع أعوام.. وما زالت علاقته بطلاب علم الاجتماع حاضرة وراسخة في جامعة نايف للعلوم الأمنية التي كسبت خبيرًا وعالمًا وباحثًا ومنظرُا (فذًا) في ميدان علم الاجتماع واتجاهاته البنائية والوظيفية.