د.عبد العزيز الصقعبي
دائماً أنهي النقاش مع من يطلق الأحكام العامة دون حجة، أو دليل، مثلاً عندما نتحدث عن المسرح ويأتي من يقول «لا يوجد لدينا مسرح.. ولن يكون هنالك مسرح مطلقاً في المستقبل» وعندما تسأله لماذا يقول «النساء لا يشاركن في العروض المسرحية» وحين أقول له «ولكن هنالك عروض جيدة حققت جوائز»، يجيب «مستحيل..» عندها أنهي الحديث، مثال آخر عندما يقول أحدهم «انتهى العصر الورقي» وعندما أقول له «ألا ترى الإقبال على شراء الكتاب الورقي في معارض الكتب» ربما يتنازل قليلاً يقول «بعض الكتب التي لا يوجد لها نسخة إلكترونية.. ولكن انتهى عصر الصحف والمجلات الورقية» وحين أسأله «هل تتابع الصحف بنسخها الإلكترونية أو تتابع الصحف الإلكترونية» فيجيب غالباً «لا»، وأسأله «هل كنت تقرأ الصحف بنسختها الورقية في السنوات السابقة ثم توقفت» فيجيب أيضاً «لا» فأقول له «لماذا أطلقت هذ الحكم وقرّرت إنهاء الكتب والصحافة الورقية، فيقول «الجميع يردد ذلك»!
حقيقة لدينا مشكلة في هؤلاء البشر، ممن ليس لديهم رأي خاص بهم، ويرتاحون عندما يقول لهم أحدماً رأياً عاماً، كما في المسرح والورق، وهنالك أشياء كثيرة أخرى، يريحون رؤوسهم، لأنه حقيقة لا علاقة لهم بالثقافة، بل إن كثيراً منهم يستهين بالإبداع، فحينما يحدث أن يزور أحدهم معرضاً تشكيلياً، وهذا نادر، ويقف أمام لوحة، يقول «أنا أستطيع أن أرسم أحسن منها، وعندما يقرأ نصاً قصصياً، وهذا أيضاً يحدث نادراً، أو قصيدة شعر بالذات الشعر الحديث أو قصيدة النثر، يقول أنا أستطيع أن أكتب أفضل من ذلك.
جميل أن يكون لديه الثقة في النفس والإحساس بأنه قادر على أن يكون مبدعاً، ولكن مستحيل أن يفعل ذلك، لأنه بكل صراحة، لا يقدر، ليس لديه موهبة في الرسم أو الشعر أو القصة، ويطلق أحكامه العامة، ليريح نفسه أولاً، ولكي لا يكون ملزماً بحضور معرض تشكيلي، أو مشاهدة عرض مسرحي أو قراءة شعر أو سرد.
الأمر لا يتوقف عند هؤلاء، الذين قد أُطلق عليهم بسطاء أقرب للسذاجة، بل يصل للمثقفين، وبعض منهم يمارس النقد، هؤلاء يترفعون عن قراءة الإبداع المحلي، من قصة ورواية، ولديهم الأحكام الجاهزة، بل المؤلم أن بعضهم يقدم دراسات نقدية لكتاب من بعض الدول العربية الشقيقة، ويريح نفسه، بالمشجب الذي يستخدمه حين يدخل المشهد الثقافي بأن لا يوجد أعمال جيدة تستحق القراءة، اذكروا لي اسم أديب أو ناقد سعودي توقف عند بعض الأعمال الإبداعية لمبدعين ومبدعات من المملكة العربية السعودية، وتحدث بصدق وشفافية عن العمل، وأنا أقول ليست كل الأعمال جيدة وفي الوقت ذاته ليست كل الأعمال سيئة، بل هنالك أعمال قصصية وروائية وشعرية نالت التقدير والإعجاب وبعض منها حصل أو رشح لجوائز، وهذه الأعمال لم يتوقف عندها ناقد، بل بصمته هذا أطّر مقولات كثيرة يطلقها البعض من خارج المملكة، من أن تميز ذلك المبدع بسبب ما دفعه من نقود لمن يكتب عمله أو يعيد كتابته.
نحن لدينا حركة إبداعية كبيرة ومتميزة في أغلب مجالات الثقافة، السينما والمسرح والفنون التشكيلية بتنوّعها مع الخط العربي والإبداع السردي والشعري، إضافة إلى الدراسات الفكرية، والنشاط المنبري، ولكن وأقولها للأسف، صدى هذا الحضور الثقافي باهت إعلامياً، ومفقود نقدياً.. هل ستبقى تلك المشاجب التي يجعلها البعض ذريعة لعدم التواصل مع الثقافة في المملكة، كيف يكون المواطن في المملكة، يمتلك ذائقة تجعله يعرف أين مكمن الإبداع في أي فعل ثقافي، ويستطيع أن يكون لديه رأي تجاه ما يراه ويسمعه ويقرأه، دون البحث عن مشجب، أو رأي لآخر يجعله غائباً مغيباً، العالم يتغير وهو يعيش في سبات التخلف.