د. صالح بن سعد اللحيدان
في هذا الجزء من هذا المعجم سوف أتطرق إلى شاهد قائم على أصول المنهجية في القول والعمل، وذلك صوب الوعي المنظور على دائرة يقع فيها كما يكون خارجها عالم وعالم ولغوي ولغوي، فمن خلال هذه المفردة يتبين الحال نحو أنواع العلماء فقهاً واقعاً نحتاج إليه.. فما هذه المفردة؟ وما المراد منها؟ أبادر فأقول إنها الجهد على أساس هذا البيان المبين.
أتدرج إذاً في المراد منها على واسعة من قول مختصر مفيد، إذاً أبدأ قائلاً فأذكر عنها ما يلي:
1 الجهدأصل هذه الكلمة ثلاثي الأحرف (جهد) أي سعى وقارب أو حتى قارب.
2 الجهدبذل الطاقة من باب آخر.
3 الجهدإفراغ الطاقة حسًّا ومعنى.
4 الجهدمن اجتهد قارب المشقة.
5 الجهدجهد قام على ما يريد حتى لعله بلغ السعي.
6 الجهدالمراد بذل النفس لتحقيق غاية ما.
7 وجهدبفتح الجيم والهاء معاً (علم) على مذكر.
8 وجهدبفتح الجيم وكسر الهاء علم على مؤنث.
9 وجهدبضم الجيم وإسكان الهاء (مصدر).
10 ويجهدونويجتهدنيبذلون ويبذلن الجهد حيال أمرٍ ما.
وحقيقة المبتغى من هذا أن الجهد يبذله الباذلون كلاً بحسب حاله وسعته وعقله وتحديد مراده.
وعلى هذا الأساس يكون العلماء ومن يشرب من هذا المشرب من أي علمٍ أنواعاً متعددة.
1 فالعالم العاقل الحرينشد الحق والخير المطلق.
2 والعالم المتحيزينشد ذاتية المسعى.
3 والعالم العجوليصل لكنه يخسر أو قد يخسر.
4 والعالم المجربقد تفوته بعض القياسات ما لم يكن خريتًا.
5 والعالم المبتدئقد يظن شيئاً فيثبته والحق خلافه.
6 والعالم المستشير قد يقع له خير في جهده وبذله.
7 والعالم العادلقد يطول جهده وبذله حتى لعله يخالف من هو أعلم منه وذلك. عند رؤية الحقيقة.
وقس على هذا إذا كنت ذا بسطة من إطلاع قوي نزيه جليل وكل ما يخطر على البال من نواهض التراجم لحياة العلماء خلال العصور.
وهذا مثال أضربه يغني معناه عن كل مثال يحاكيه على منوال وعير منوال ومن المعلوم أن الصحابة كلهم أهل علم رواية ودراية لكن قد يدخل معهم من ليس كذلك في زمانهم لكن الكاشف هو الله تعالى ففي أحد الغزوات (قد بذل أحدهم جهداً وطاقة، وقد تعجب بعض الصحابة من جهده حتى لعله قتل من العدو عدداً هنا سأل بعض الصحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- عنه فقال: هو في النار يا رسول الله قال هو في النار، فراقبه بعضهم وهو يبذل الجهد في هذه الغزوة حتى إذا أثخنته الجراح قتل نفسه عياناً).
وقد تبين بعد ذلك أنه كان يقاتل لذات نفسه وطلباً للزلفي.
ومثال يقرب منه على وتيرة الشبه بين الحس والمعنى مع اختلاف القول والعمل، أبو الحسن الأشعري من كبار تقديم العقل على النص من خلال التأويل للأسماء والصفات لله -جل وعلا- فهو يقول في قوله تعالى: (وجاء ربك والملك صفاً صفاً) أي جاء أمره.
وفي قوله تعالى: (يد الله فوق أيديهم)، أي قوة الله تعالى وقدرته، وفي قوله تعالى: (إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون)، أي بعلمه.
وحين اشتهر شهره المعتزلة والجهمية وصدروه أدرك بعد لأي أنه مستغل بفتح الغين عاد جذعة يتدبر، وينظر من خلال العقل الحر المتجرد، ووازن ونظر أصول وقواعد منهجية الصحابة في هذا السبيل، سلم أمره لله تعالى فبان له السبيل ناهجة نهجها الرسول -صلى الله عليه وسلم- على ناضهة في سبيل مديم.
وحين أدرك الخلل إذ الأصل عدم التأويل قام فأعلن ذلك صراحة على رؤوس الأشهاد وأمضى الأسماء والصفات كما جاءت من غير تأويل ولا تحريف ولا تعطيل، وقد صنف كتابيه الشهرين (الإبانة) و(مقالات الإسلاميين).
فالجهد على هذا في تحليل سياقات وأصول بناء العقل ونهضة الحضارات عبر القرون أن الجهد يحتاج إلى صدقٍ مع النفس، والوقوف عند سقف القدرات دون تخطيها، ذلك أن تخطي القدرات قد يجلب إلى النفس ما الإنسان بغنى عنه من التصنع، وتمثيل الرسميات في الكلام والنقاش والمحاورة حتى لعل الإنسان قد يتخطى القول الحق إذا كان من بجواره ذا باع بالمعلومات والقدرات الفذة فيرى في مثل هذا الرعونة وسبق العاطفة للعقل فجهد مثل هذا إنما هو من المضار القاتلة في حينٍ بعيد أو حين قريب.
ولهذا إذا كان صاحب الجهد ذا عمق صادق حي متين فيه من التجرد بقدر ما فيه من حب الخير المطلق كان هذا أجدر بصاحبه أن يكون من الخالدين ولو برأي واحد مثلاً أو كتاب قويم.
والجهد من صفات العقل ما لم تخالطه رعونة وجموح فيكون هذا من مخادعة النفس للعقل وحيلها حتى تسير هي وفق المخالفة وتمثيل دور العقل ذلك حتى تطغى عليه، فيحدث من جراء ذلك السريان صوب سراب الحياة تلك التي هي في دائرة النفس ورباط الهوى من حياة ليست بشيء.