د. حسن بن فهد الهويمل
شعراء يحملون هموما ذاتية تقض مضاجعهم؛ وآخرون مرتهنون لجيوبهم؛ وبطونهم.
(أبو الطيب) همه ذاتي، ولكنه بحاجة إلى ذوي اليسار؛ ليقيم أوده، ولهذا قال بيتين يجسدان أبشع صور المعانات:-
ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى:
عدوا له مامن صداقته بد.
و:-
واحتمال الأذى ورؤية جانيه .. غذاء تضوى به الأجساد.
ينازعه الهم مجايله، ومنافسه (أبو فراس).
الفرق بينهما أن (أبا الطيب) يذود بـ(لسانه) و(أبافراس) يذود بـ(سنانه) و(لسانه).
وكلاهما مؤثر، ومثير.
السواد الأعظم من الشعراء، صوت إعلامي؛ يعيش في ظلال السلطة يصنم رموزها، ويؤسطر أفعالها؛ ويملأ فراغ العامة بساقط القول، كـ(النقائض).
لو فرغ (جرير) و(الفرزدق) و(الأخطل) لذواتهم؛ لسار شعرهم سيرورة شعر (المتنبي) ولخلفوا لنا من القيم الأخلاقية، والفنية ما تشرف به اللغة العربية.
لا تنقصهم المواهب؛ ولا الثقافة؛ ولا الصناعة البارعة للشعر.
وإنما تنقصهم الأخلاق؛ والعفة، والترفع عن سفاسف الأمور، غياب (النقد الأخلاقي) ساوى بين الرؤوس، وارتهن النقد في الشكل؛ والبناء. مما اتاح الفرصة لمزيد من الشعر المتبذل.
اضطرا ب الآراء حول مفهوم الشعر وغاياته مهد الطريق أمام العبث الشعري.
كان ذلك منذ (العصر الجاهلي) حيث كان (زهير) الحكيم، و(امرؤ القيس) الماجن، ولكل فئة اتباعها ومريدوها.
عندما أفل سلطان الشعر، وخلفه (الإعلام) و(السرد) تنازعته أدواء: الغموض، والنثرية، والثورة، والتمرد، والمجون.
ولما يزل يحتفظ بشيءٍ من مكانته بفضل عمالقة الشعر الحديث: كـ(السياب) و(الجواهري) و(البياتي) و(دنقل ) و(درويش).
ما نوده من أقسام الأدب في جامعاتنا السعي لإقالة عثرة الشعر والحيلولة دون غلبة السرديات له.
نقاد الحداثة يباهون بمقولة:- (إن الزمن زمن الرواية) وهي مقولة جرَّ أت المنشئين على تصدر المواقف بكلام إنشائي لايمت للإبداع السردي بصلة.