(1) المعلومة المماثلة والعقل
يعطي الإصغاء المعرفي كل طاقته؛ للإلمام بقدر وافٍ من التمكن العلمي. وعلى هذا القدر يتكيف العقل وفق قدراته على إمكانية التعلم وسرعة الاستجابة.
وهذان الطرفان هما قطبا جذب تجاه محور واحد؛ هو كشف الجهل المستتر في مواقف كامنة لا بد من حدوثها ليتكشف مقدار الجهل. وبعد تحديد مستواه وفق الموقف ذاته تحضر المعلومة المماثلة قياساً على موجود غائب؛ محاولة لسد عجز التصرف العقلي حينها.
أظن قولي يبدو مغرقاً في الطرح العقلي للمسألة، وأبدده لك بسؤال يكاد يكون ساذجاً: عندما تقود سيارتك متبعاً الأوامر الصوتية الصادرة من خرائط قوقل، ولسبب ما فقدت الاسترشاد بها ما تفعل؟
هنا يحاول العقل القيام بما كان يستعين به من معلومة منشئاً معلومة مماثلة يتوجه بها إلى طريقه قياساً بما كان يتلقاه دون النظر إلى محاولة الإتقان التي كان يسير عليها من قبل.
إن قدرة العقل على خلق معلومة مماثلة حاضرة قياساً على أخرى غائبة يحثنا على النظر فيها بتأمل، ثم محاولة تحفيز النشاط العقلي في هذا المسار حتى يستطيع توليد معلومات مماثلة من دون الحاجة للقياس فيَعْبر من حالة التقليد إلى الإبداع منشئاً ما يكون هو السابق ليُماثِل عليه لا المتأخر المستنسخ من سابقه.
(2) انحجاب العقل
تُفسد المشوِّشات الذهنية عملية التفكير المنعكسة على اتخاذ القرارات. ويصعب معها الوصول إلى حقيقتها وكنهها؛ حيث إنها غير مرئية فيزداد الأمر حيرة وتساؤلاً!
إن العقل المنحجب عن رؤية ما يتسلط عليه يزيده الخفاءُ اضطراباً وتوجساً فيتخبط أكثر. ولعل أيسر ما يشرح هذا ما نلحظه على القَلِق من شتات يصعِّب على صاحبه السيطرة عليه حتى تأتيه علامة يسترشد بها، ومثله ما يرافق صورة الجسد الحركية كيف يبدو منتفضاً قلقاً من فقد جواله ثم يرى شاحناً، فيتذكر أنه يشحن في غرفة مجاورة.
والعكس من حالة الاضطراب والتشويش الذي يعجز العقل عن ضبطها والتحكم بها: ما يعتريه من ركود وتبلد من استجابة لمحيطه وقت دخوله حيز «السرحان»؛ لاستسلامه لفكرة داخلية تملَّكته تماماً، وهي ذاتها تشابه التشويش بكونها غير مرئية. والفكرة والتفكير عموماً شأنها كذلك غير أن الحديث أخص عما يعجز عنه العقل سيطرة لاختفائه اللحظي البعيد عن قدرة تحكمه. فنعود لنقطة ابتدائية جديدة: أين العقل من التعقل؟!
(3) متعة اللازمن
العودة إلى اللازمن مطلب تدفعنا إليه المدنية في عصرنا الحالي؛ مللاً من عبء الزمن ذاته!
إنه ليس هذياناً؛ فبفعل ما يلقاه الإنسان من تآمر التقنية بتعدد قنواتها على وقته، وتجريده متعة اللحظة، وحرمانه من استقرار عقرب الثواني في خندق التأمل، تشتد حاجته إلى «اللازمن». ودعوى الخروج من الزمن ليست حقيقية؛ فالمقصود بها فك أغلال أصابعنا وأعناقنا من أسر الانشغال بما لو فاتنا استطعنا إيجاده!
وفي ظني أن الزمن وعاء له طاقة استيعابية إذا زادت على الاحتمال تهتك الوعاء وسقط ما فيها على رأس صاحبه، بينما كانت له فرصة النجاة بإفراغ وعائه الزمني والجلوس هو مكانه؛ لأولويته على فراغات الآخرين! وبهذا الطرح تتشكل قضية مهمة:
• أين يقع الإنسان من تزمين الحياة؟
• أين يتشكل الزمن في تمرحل الإنسان؟
هذه أسئلة تتكئ على مفهوم يُنتج من بنية عقلية تتلمس خطوها نحو مفهوم الزمن بفهم قديم لا يجاوز أن الزمن عقارب تتحرك أو ذرات في قعر ساعة تنتظر من يقلبها؛ لتؤدي دوراً لا تدرك هي كنهه؛ إذ حبست الزمن في ذاتها!!
(4) التسطيح
لا يتشكل العمق المعرفي في شخصية تكتفي بالسطح من كل شيء؛ فالعمق له ثقل يحتاج امتداداً يغوص فيه ليستقر في مكان يرضيه.
إن النظر في حيثيات التعاطي مع المعرفة بوصفها مادة تتصل بالروح وتتواصل مع العقل مسألة تكاد تكون قطعية، وانظر لمن اتخذ المعرفة غاية وفرقه عمن اتخذها وسيلة، ووقتئذ يتضح لك مقدار أثر العمق في الشخصية المتعاطية مع العلم في تشكيل معرفتها المثقَّلة بالجودة والإتقان. ومَن هذه صفته، هو قادر على إحداث موجات مقنعة مؤثرة نحو التغيير إيجاباً بأثر علمي وتأثير معرفي.
(5) التخيّر اللفظي وانحجاب العقل?
تُشتت البواعث النفسية تخيّر الألفاظ، فيقف العقل حائراً في تمثل المناسب؛ وصولاً لغاية متلفِّظها.
وهنا نطرح أسئلة منها: هل العقل يصاب بالتراجع في مركزية تحكم اللغة؟ أم أن سطوة التشويش النفسي لها زمام الأمور؟ أم أنه دليل جانب قصور في العقل يعجز معه بالسيطرة لهذا العارض؟
إن الحديث هنا لا ينفرد باللغة، ولا ينفرد بالإنسان وحيثياته، بل عن حيز له صفة التأثر والتأثير وتبعاً لها تنتظم عملية الاختيار اللغوي من بين ملايين الألفاظ المتخفية تحت ركام مشاعر كامنة.
ومثاله الغضب، ذاك الباعث المتفجر الذي يعصف بالهدوء النفسي، ومعه تتعذر إجرائية الانتقاء اللغوي؛ لانسحاب العقل عن التحكم بعموم المنطق الجسدي والنفسي؛ فتقع عشوائيات التلفظ، ونفض الغبار عن كلمات سوقية انحبست وقتاً بفعل العقل، وكل ذاك بفعل إشهاري يعلي صوت الاختيار السيئ بعمد؛ قصد إثبات الموقف.
وينسحب هذا التشوش والتشويش على بقية البواعث ولكن بدرجات أقل من الغضب، الذي يذكرني بحكمة الصمت وقت تملكه الإنسان؛ لانحجاب العقل المسيطر على فلتاته وتوجيه نبراته.
(6) فلسفة القول والانضباط الأخلاقي
إن الانفلات اللغوي في السياق الأخلاقي من صور التلفظ بوجهه السيئ. وهو من بوادر التهجم القولي غير المحكوم بحكمة التصرف، أو المنحكم بموقف منصف.
ولهذا نجد المعتنقين له سلوكاً تغيب عنهم مقايسة الموضوعات بمقامها أو حدود أطرافها، ووقتئذ يغلب على طرحهم هشاشة العبارة، وبؤس الانتقاء، وضبابية المقصد.
ولعل من أهم موجِّهات القوى القولية الثاوية في جانبها المنضبط؛ «إدراك القيمة» فالقيمة اللفظية تتأرجح بين جانبي الإساءة والإشادة، وإبرة ميزانها تكمن في رجاحة الاختيار وقوة التنبؤ بما يمكن أن يكون عليه الحوار.
وكما نالت القيمة حظها من الكلمة، فلا ينبغي أن تفلت القيم من الإنسان، وهنا الرهان على حدوث الانفلات.
(7) خوف الاندماج الثقافي
الانطواء المعرفي والعزلة الثقافية من ملامح التكوين للأفراد والمجتمعات المكتئبة أو المتشككة. ويبدو حل المشكلة أسهل في جانب الفرد؛ حيث إنه لا يشكل وحده ظاهرة يُحكم على المجتمع بها، وبالمقابل هو مؤشر مقلق إذا تعدد مثلُه؛ لخلقه زوبعة صغيرة تلتهم المجتمع بهذه الصفة إذا ما كبرت وانداحت دائرتها.
وهنا تستفحل مسألة المجتمع المصاب الذي يصعب عليه لاحقاً مع تراكم الأجيال الخروج من مأزق الانطواء وكارثة العزلة.
وكل مجتمع لا ينفتح على ثقافات أخرى هو محاط بنفسه فلا يؤثر ولا يتأثر، وهذه فضلة قول مُسلَّم بها منذ القدم، غير أن الحديث اليوم يضع المجتمعات أمام محك القوى الناعمة ومدى إسهامها في هذا المجال؛ لوضع بصمتها في الأثر العالمي، فلا يمكن للمجتمع أن يخرج من قوقعته دون استشعاره لهذا المنعطف.
ولا تقِلّ أي نفعية مهما كانت صغيرة إذا تلبست ولو بأصغر جزئية من الفعل الثقافي. فانظر إلى بعض الشعوب التي تصنف في بداية مدارج المدنية وكيفية تأثيرها في مجتمعات متطورة.
وذاك التأثير يأخذ شكلاً صامتاً كنشر أنواع الطعام الخاصة بهم أو عطوراتهم المحببة أو حتى ما يختص بشعائرهم إذا كانوا من دين مختلف. وشواهد ذلك كثيرة في المجتمع العالمي، الذي نجد فيه الحي الصيني، والحي العربي، والحي الأفريقي، فعلى قلتهم في ذاك المجتمع الغريب عنهم إلا أنهم استطاعوا إكساب أرض ليست لهم تسميةً توصف بأنها جزء منهم.
(8) فخاخ العقل
ولا يقف العقل موقف العاجز إلا لعلة ليس يدركها؛ فهو يقع في فخ نفسه!
وما ذاك إلا لقلة حيلته، وقصر بصره، وتناقص مقدرته، على تقييم أبعاد موقفه، وتقويم معوج رسمه. وحينها لا سبيل له إلا بعلم يكتسبه، أو مشورة تدله، أو توفيق يرشده. فلا يسع العقل إلا الاعتراف بضعف العقل.
(9) تلقي العقل
إن تلقي المعرفة المكتوبة، والمجردة من واصف لحظي لها، ترتهن بعقلية المتلقي ذاته، وما يفهمه من المخطوط.
ولذا نجد تأويله يتغير لحظة ما يصطف واصف/شارح شفاهي إلى جانب الوعاء المعرفي برمته لا المخطوط فحسب، فقيمة الخبير تزداد بازدياد فارق الزمن بين المكتوب والمتلقي.
(10) التكوّن المعرفي والتلوث الإدراكي
التكوّن المعرفي ينطوي على خطر التلوث الإدراكي، ولاسيما في بيئة الرأي الواحد. وهذا من شأنه تأخير الوعي المدرك لطبيعة الأشياء بعيداً عن مستوى الوعي.
وعليه يظهر الافتراق بين التكوّن المعرفي والتكوين الإدراكي؛ فالعقل لا يستسلم لسلطة المعرفة بسهولة دون محيط يأخذ دور السمسار للمعرفة.
وهنا نتلمس أثر الآراء المتنوعة في التكوّن المعرفي، فكلما تعددت تَقلَّص خطر تلوث الإدراك المنبني على التعصب أكثر من المعرفة نفسها.
(11) تناظر عقلين
إيجابية العقل المسيطر مقابل العقل الأهوج، ليست دائماً نجاحها في المواجهة. إن كثيراً مما يقوم به «العقل البارع» -هكذا أسميه- يظهر عليه مهارة التنقل والانتقال؛ فهو يدرك ما عليه فعله تجاه نظير عقلي آخر، تغلب عليه الصفة العكسية.
وهذا التصرف لا ينبني على رد الفعل كما هو مع عقلٍ في الطبقة نفسها. وفي ظني أن «الحكمة» تنبثق نتيجةً لمواقف مشابهة. وعليه، فالبنية العقلية المنظِّمة لقواعد التفاعل، هي ذاتها المنتجة للحكمة.
وهنا تظهر أهمية الإيجابية في مواجهة سلبية تنضمان جميعا لبنية واحدة؛ العقل. غير أنها اختلفت بحسب ما تمتلك كل واحدة منهما منفردة عن أختها -الإيجابية والسلبية- من مرجعيات ثقافية.
(12) انفراد العقل
خرق العقل بالتوافه، وتخرّق الوعي بالغباء، وانخراق الروح باللامبالاة، كلها دواعٍ للتبلد والعجز الفكري؛ معرقلةً قفز مستنقعات الجهل ووحوله.
وقد يعجز العقل عن مواجهة الجاهل، وليس الجهل؛ فالجاهل إنسان معجون بكثير من الطبائع، بخلاف الجهل في صورته البسيطة لا المركبة.
ومما يتعب الوعي الواعي بأطراف حدود المسألة المناقَشة: التعصب للوعي غير الواعي بالجهل. وهذا يحدد نمطية بَنَت لنفسها قالباً بائساً تحجّرت فيه.
(13) التفنيد العقلي للخيال العلمي
لا تقف التأملات العلمية على الحقائق مجردة من أحوالها، فيكون النظر قاصراً، ويعجز عن ربط موضوع الدراسة بالمعاش الحياتي. وانظر إذا ما أردت التوثق إلى ما يسمى «الخيال العلمي»، الذي لجأ إلى التخييل؛ لإبطال التفنيد العقلي لمنطق الإغراق التأملي. ولا يقتضي هذا الرأي بطلان إمكانية وقوعها، ولكنها ظروف التلقي الهادفة للنفاذ في طبقات التكوين الثقافي المتعدد. وهذا يبني فرضيتين:
الأولى: تتعلق بمتلقٍ يعي أهمية هذه الخطوة؛ وصولا لمقصد يمكن إنجازه.
الثانية: محاولة إقناع متلق يستبعد وقوع المقصد المنجَز تخييلاً؛ فيتلاقاه تسليةً.
إننا بإزاء بناء منظومتين متوازيتين في التأمل العلمي؛ لغرض تسويقه. وما يحدد مساره الإقناعي، وتكوينه الفلسفي المنطلق من رؤية واضحة؛ هو الإجابة عن سؤال محدد: ماذا يريد؟
(14) المنظومة والتواصل
منظومة العقل الحاملة للمعرفة، لا تستطيع الاقتراب من منظومة تقل عنها، وهنا يأتي دور الاتزان والموازنة بين منظومتين متفاوتتين. فيبقى الاحتكام إلى الوسيلة الناقلة مسألة مصيرية، إما بالائتلاف والتقريب، أو الاختلاف والتباعد، حينها لا يمكن الحكم على إحداها بالتقبل أو الرفض، ما لم نصل إلى تكوين معرفة أولية، عن ماهية الوسيلة الماثلة في جانب اقتراح التقريب بين المنظومتين.
ومما نسترشد به مثالاً على هاته الفكرة، اعتناء التربويين بطرائق التدريس؛ فهي تشتغل على الأطر التواصلية بين منظومة عليا، وأخرى دنيا بعيداً عن محمولات المنظومة نفسها. وهذا يخلق أنماطاً متعددة توازي أو تفوق أشكال المنظومتين؛ بحثاً عن حل، أو تفكيكاً لمشكلة، أو تقييماً لنتيجة.
(15) هدنة
التصالح المعرفي القائم على هدنة التعقل، ضرورة لا بد منها للوصول إلى حل مشكلات الاستسلام لمفهومٍ ما لم يكن لمتلقيه يد في تعلمه. والباحث عن سبل طرائق التعلم من غير قصد، سيجد لها أشكالا كثيرة. من أشدها: ثقافة البيئة المحيطة التي ينشأ فيها الإنسان. وإذا ما فتشنا عن تلويحة بينة لهذه القولة، نجد الإنسان يتحول من لباس إلى لباس بمجرد تغير مكان عيشه، مثلها تماماً القناعات تجاه الأشياء.
(16) مجابهة القطيع
إن وقوف العقل الخالي من افتراضاته المسبقة تجاه موقف ما، لا يجعله حياديًّا فحسب، بل حكيماً يحسن تقدير الأمور ووزنها. فالإنسان الواثق بتفكيره، المتمكن من زمام عقله، لا يسلّم اتخاذ قراراته لغيره، ويشتد فيما لو كان هذا «الغير» ما يعبّر عنه بالقطيع.
وإذا ما أردتَ معرفة اقتراب العقل من التعقل، فلتنظر أين هو من سلطة الجمهور؟ وأين هو من شخصية متخذ القرار نفسه؟ فكلما اقترب العقل من شبَهه بصاحبه، كان أدعى للابتعاد عن تأثيرات اتخاذ القرار؛ داخلياً من افتراضاته المسبقة، أو خارجياً بتأثير الآخرين.
(17) التواء
إن التواء العقل في تلقي النص يُفرز بالضرورة فهما ملتوياً عن مقاصده الأولى التي وضعت له. وهذا لا يعقّد النص بقدر ما يستوجبه ذاك العقل من إصلاح.
وعليه فإن الانطلاق من النص المغلوط فهما قد لا يحقق نتيجة مرضية، فيما لو كان بدء التصحيح بخطاب مضاد للعقل الملتوي نفسه، فالنص الواضح في دلالته، الظاهر سياقه، المعروف مقصده، لا ينحرف عن معناه بنفسه، بل بطريقة التناول التي تزيحه عن مساره. والإزاحة لا تأتي إلا من فهم معوج يزعجه استقامة النص.
(18) التجريب والعقل
المعلومة المجردة لا يتهيأ لها العقل دون تجريب عملي مسبق، أو على الأقل استعداد متحفز للانخراط فيه. وما يريده العقل قد لا يتوافق والتجريب، فالمكونات المحيطة بعملية التلقي لها الأثر الفاعل في تطويع التجربة من جهة، وتهيئة العامل بها من جهة أخرى، بهذا يتجلى ضعف العقل فيما لو تُرك في محيط معادٍ لتلقيه، أو معوّق لاستعداده.
إن العقل وحده لا يصنع التلقي الواعي للإنسان الواحد. لكن العقل الجمعي في الكفة الأخرى هو خالق تلك المسوغات الفاعلة؛ فالعقل عاجز من جهة الانفراد الذاتي للقيام بإنشاء بيئة ملائمة، إلا أنه فاعل في حل عجزه بمصفوفات أخرى من مثله، تسدد خلله، وتؤثث سياق إعماله بالمصطلح المنضبط والمنهج المتزن.
وهذه قضية مهمة في طرح الآراء وتقبل النقد. وإيجاد سبيل للتقريب بين العقل الانفرادي والجمعي يحتاج لسرعة تنقل بين الأدوار، ونجاح ذلك السبيل وإنارة طريقه يعتمد على المرونة والمهارة في سرعة التنقل من تفكير الفرد إلى تفكير المجموعة.
(19) التعمية ودور العقل
يشتد ارتباط التفكير النقدي بمقدار الرؤية وتملّك الأداة إذا ما كان النص محتاجاً للتأويل؛ خروجاً من فهم مغلوط، أو تجديداً لتحليل قديم، فالرؤية المتسقة مع النص من دون استباق له أو قصور عنه، تمكّن الأداة من الغوص في حيثياته، والبحث في أطراف غموضه، ومن ثمّ الوصول إلى معناه المعمّى. ولذا فالباحث عن مقاصد القول، التي تتمرد على ظاهر دلالة الكلمة، لا يصل إلى معنى يطمئن إليه حتى يتعاطى مع غيبيات النص كشواهده.
** **
- د. محمد المشهوري
@DR_ALMASHHORI