كتب أستاذنا الدكتور إبراهيم التركي مقالاً فلسفيًّا جميلاً عن الظل، وكان عنوانه: الظل هامش أم متن؟
وكعادته عندما يكتب فهو يمارس عزفًا منفردًا، يتماهى الكثيرون حوله حضورًا، قد يتفقون ويختلفون.
ما يميز نتاجه الكتابي أنه يظل مرجعًا، يألفه ويأنس به كل من يقرأ السطور، وما بينها وما بعدها من أزمنة وشخوص وأماكن.
التركي أفاض واستفاض في تعريف الظل، وعلائقه المتشابكة والمشتركة بالرياضيات والمنطق، وربما الزمن ومسافاته ومساحاته.. هكذا قرأته، وتلك كانت زاويتي في فهمه وإدراكه.
اليوم، وامتدادًا للظل، أرى أن العزلة نوع من أنواع الانسحاب من المشهد الحياتي بعمومه وخصوصه. قد تكون اختيارًا، أنفة واعتراضًا على المشهد وشهوده، وقد تكون إجبارًا بفعل عامل مؤثر، لكنها تظل لحظة فارقة، يعيد فيها الإنسان حسابه مع الزمن بتجاربه وشخوصه، لحظة يستعيد فيها أنفاسه المتعبة والمثقلة بالضوء وصحبه وصخبه.
الظل هو إرهاص لما بعده، وعند الذين ألفوا العزلة هو إرهاص لمرحلة قادمة أكثر إشراقًا، يتجلى فيها المبدعون أكثر، وتنحاز إليهم الأضواء أكثر وأكثر.
كثيرون عاشوا العزلة في بقع عامرة بالأضواء والصخب الإنساني والمعرفي، لكن تلك العزلة كانت بمنزلة القنطرة التي قادتهم وساقتهم إلى مراتع وافرة من النور؛ ليصبحوا المتن والهامش أحياء وأمواتًا.
لئن كانت العزلة هروبًا من حالة فهي في الوقت ذاته إعادة ترتيب لحالات قادمة، يكون فيها الانطلاق أقوى وأجدر، ويكون فيها القادم من زمن ملكًا لهؤلاء، يستأثرونه حضورًا حصريًّا فيصبحون الشمس التي تضيء العتمة، ويصبح حراكهم الإبداعي المتن والهامش حتى حين!
** **
- علي المطوع