حينما نناقش فكرة (موت الفلسفة) أو (نهاية الفلسفة) فنحن إزاء التفكير في مرحلة (النهايات) أو (الإماتة): موت الإنسان - موت النقد - نهاية الميتافيزيقا، وغيرها. وقد ناقشتُ هذه الفكرة تحت عنوان سابق بعنوان (فلسفة الشتُّ).
ولعله يمكن لنا مناقشة فكرة (نهاية الفلسفة) من منظورين: العلم التجريبي - الفلسفة ذاتها، ويمثل هذين الاتجاهين ستيفن هوكينج وهايدجر؛ فكلاهما ناقش فكرة موت الفلسفة ونهايتها بالاعتماد على المنظور الذي ينطلق منه. هوكينج التجريبي العلمي الفيزيائي الكمي، وهايدجر الفينومينولوجي الوجودي؛ وبالتالي فإن حصار الفلسفة هنا من اتجاهين مهمين في تاريخ البشرية: العلم التجريبي والفلسفة.
والفلسفة حينما تميتُ ذاتها مع هايدجر ليس المقصود منها نهاية التفكير؛ بل نهاية الميتافيزيقا؛ لأن الفلسفة الكلاسيكية حتى عصر النهضة لم تنفك عن الميتافيزيقي للتفكير في التفلسف في جُلّ اتجاهاتها: الإيتيقية والاستطيقية والدينية؛ بل إن تأسيسها اليوناني قام على إثبات الميتافيزيقي (الإله - المتعالي - العلة الأولى)؛ فنهاية الفلسفة عند هايدجر ليس نهاية التفكير بل نهاية التفلسف الماورائي في الوجود؛ ومن هنا فكر هايدجر بـ (الدازاين) لمحاولة الخروج من هذا المأزق الميتافيزيقي. وعليه فإن الفكرة النابعة من طرح التناقض في موت الفلسفة بأنها لا يمكن أن تموت لأننا حينما نريد إماتتها فإننا نستعمل الفلسفة/ التفكير.. هي فكرة غير متسقة مع الطرح الهايدجري لفكرة نهاية الفلسفة.
والعلم التجريبي المخبري حينما يريد منافسة الفلسفة على التحليل الوجودي والكوني للإنسان فإنه يأخذ المساحة الأكبر من الإقناع؛ لأنه يقوم على المخبري التجريبي؛ وبالتالي فإن هوكينج يسخر من الفلاسفة مع اطلاعه على نتاجهم الفلسفي، وناقش بعضهم ككانط في كتابه (تاريخ موجز للزمن)، إلا أنه يحيل كل قضايا الفلسفة المطروحة في تاريخها للعلم التجريبي والمختبر بدءًا من رفض الميتافيزيقا بكل ما تحمله من حمولات فلسفية كالمتعالي/ .../ العلة الأولى، ونهاية بالحرية المزعومة التي تثبت دراسات الدماغ المعاصرة أن الإنسان ملك لدماغه وليس له حرية؛ بل الحرية للدماغ ليُصيغ الإنسان كيفما شاء بالاعتماد على الأعصاب والعصبونات؛ لذا فإن نقاش الفلسفة المبنية على رأي وتحليل ليس متوافقًا مع العلم التجريبي القائم على نظريات كبرى كـ (الانفجار العظيم - ونظرية التطور).
وهناك نقاش مهم يطرحه توماس كون في (بنية الثورات العلمية) حول علاقة العلم بالفلسفة؛ إذ إن الفلسفة تُعتبر بوابة مهمة للعلم التجريبي كما نجده عند نيوتن الذي أطلق على كتابه مسمى يجمع بينهما (الأصول الرياضية للفلسفة الطبيعية)؛ وبالتالي فإن التزاوج ما زال مستمرًّا بينهما؛ وهو ما أنتج لنا اتجاهًا معاصرًا مهمًّا في الطرح الفلسفي، وهو (فلسفة العلم).
** **
- صالح بن سالم