أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبو عبدالرحمن: طال الحديث عن هذه المسألة مع أنّ لها تفصيلاً أوعب في موسوعة الأعمال الكاملة؛ لهذا أختصر هذه المسألة، وأنهيها بهذه الحلقة؛ لأنتقل إلى مسائل أخرى أكثر فائدة؛ وهذه المسألة عن المرائي؛ فعن أبي أمامة الباهليّ رضي الله عنه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: أنا زعيم ببيت في ربض الجنّة لمن ترك المراء وإن كان محقًّا، وببيت في وسط الجنّة لمن ترك الكذب وإن كان مازحًا، وببيت في أعلى الجنّة لمن حسن خلقه؛ وهو حديث صحيح رواه أبو داود بإسناد صحيح.. وعن جابر رضي الله عنه: أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: إنّ من أحبّكم إليّ، وأقربكم منّي مجلسًا يوم القيامة: أحاسنكم أخلاقًا، وإنّ أبغضكم إليّ وأبعدكم منّي يوم القيامة: الثّرثارون، والمتشدّقون، والمتفيهقون.. قالوا: يا رسول الله: قد علمنا الثّرثارون، والمتشدّقون، فما المتفيهقون؟.. قال: المتكبّرون.. رواه الترمذي، وقال: حديث حسن.. وعن أبي أمامة رضي الله عنه: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما ضلّ قوم بعد هدىً كانوا عليه إلا أوتوا الجدل؛ ثم قرأ رسول الله هذه الآية: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} [سورة الزخرف/ 58].. قال القاري: (والمعنى ما كانت ضلالتهم ووقوعهم في الكفر إلا بسبب الجدال؛ وهو الخصومة بالباطل مع نبيهم، وطلب المعجزة منه عناداً أو جحوداً.. وقيل: مقابلة الحجّة بالحجة.. وقيل: المراد هنا العناد؛ والمراء في القرآن: ضرب بعضه ببعض؛ لترويج مذاهبهم، وآراء مشايخهم من غير أن يكون لهم بصر على ما هو الحق؛ وذلك محرم، لأنّ الغرض من المناظرة صحيح كإظهار الحقّ؛ فإنه فرض كفاية).. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنّ أبغض الرجال إلى الله الألدّ الخصم.. قال الصنعاني: (أي الشديد المرائي؛ أي الذي يحجّ صاحبه).. وقال المهلب: (لما كان اللدد حاملًا على المطل بالحقوق، والتّعريج بها عن وجوهها، والّليّ بها عن مستحقّيها، وظلم أهلها: استحقّ فاعل ذلك بغض الله وأليم عقابه).. وقال النووي: (والألدّ: شديد الخصومة مأخوذ من لديدي الوادي، وهما جانباه؛ لأنّ اللدود كلما احتجّ عليه بحجة: أخذ في جانب آخر، وأمّا الخصم فهو الحاذق بالخصومة؛ والمذموم هو الخصومة بالباطل في رفع حقّ، أو إثبات باطل).. وعن أبي هريرة، رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المراء في القرآن كفر.. قال البيضاوي: (المراد بالمرائي فيه التدارؤ؛ وهو أن يروم تكذيب القرآن بالقرآن؛ ليدفع بعضه ببعض فيتطرّق إليه قدحاً وطعناً).. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (لا تمار أخاك؛ فإنّ المراء لا تفهم حكمته، ولا تؤمن غائلته.. وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: (من استحقاق حقيقة الإيمان ترك المراء، والمرء صادق).. وقال أبو الدرداء: (كفى بك إثمًا أن لا تزال ممارياً).. وقال ابن عمر رضي الله عنهما: (ولن يصيب رجل حقيقة الإيمان حتى يترك المراء وهو يعلم أنّه صادق، ويترك الكذب في المزاحة).. وروي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنّه قال: (إذا أحببت أخاً فلا تماره).. وقال مالك بن أنس رضي الله عنه (المراء يقسّي القلوب، ويورث الضغائن).. وقال أيضاً: (كلما جاء رجل أجدل من رجل: تركنا ما نزل به جبريل على محمد عليه السلام لجدله).
قال أبو عبدالرحمن: والنصوص في ذلك كثيرة؛ فإلى لقاء قريب إن شاء الله تعالى، والله المستعان.