رمضان جريدي العنزي
نحن نعيش زمن التحول الكبير، لم تعد بعض البيوت كما كانت، أصبحت خالية من حميمية المشاعر والشفقة والعاطفة، كل فرد من الأسرة أصبح مستقلاً عن الآخر ومنفصلاً عنه، يعيش عالمه الافتراضي ويتفاعل معه، غرباء تحت سقف واحد، الجلسات الأسرية لم تعد تلك الجلسات التي كانت، والمناقشات لم تعد هي المناقشات، والترابط الأسري أصبح حبله غير متين، يشبه بيت العنكبوت وهنا ورقة، الأب لم يعد ذلك الأب الذي يجتمع مع العائلة يتفقدهم يلاطفهم ويوصيهم، يشجعهم يشحذ فيهم الهمم ويمنحهم الأمن والأمان، لم يعد ذلك الأب الذي يشبه العمود والظل والمسطرة والمرتكز، صار ينصح الآخرين ويخطط لهم ويحاول مساعدتهم، وهو غير المبالي بأبنائه الذين يمرون بأزمات نفسيه، وتقلبات وجدانية ووحده وخدر، أصبح لا يعلم ماذا يدور في بيته، الأم هي الأخرى لم تعد تلك الأم التي تنثر الحنان والرحمة والهدوء والسكينة في زوايا البيت، بل أصبحت مشغولة بنفسها وعالمها الافتراضي دون البقية من أفراد الأسرة، تحزن لحزن الآخرين وهي لا تدري عن ابنتها الغارقة بالحزن والهم والوحدة، الأبناء أيضاً تحولوا من أبناء يفترض أن يكونوا مساندين إلى أبناء مطالبين ومستهلكين وعالة، غارقين بالتوحد والانكماش على الذات، يعيشون قصصاً وهمية يكتبها أناس وهميون.. الزوجة أيضاً لم تعد تلك الزوجة التي تهتم بزوجها تزين له المكان والطعام، تلاطفه تحنو عليه وتهتم به وتسمعه كلمات الإطراء والإعجاب كلما خرج وجاء، وتربت على كتفه لتذهب عنه العناء، الزوج أيضاً لم يعد ذلك الزوج الحنون الذي يلاطف زوجته ويتعاطف معها ويكرمها بكلمات المدح، يسمعها كلمات الحب، ويمنحها العاطفة الجياشة، كما يتلاطف ويتفاعل مع الغريبات البعيدات الوهميات.. الجميع أصبحوا يعيشون مع عوالمهم الافتراضية يستجدون العطف والحنان وكلمات الإطراء والإعجاب والمديح من الآخرين البعيدين، الجميع صار يبحث عن العاطفة والحنان والمشاركة والتفاعل خارج البيت وأسواره، الجميع باتوا مهوسين بهذا العالم الافتراضي بشكل لافت للنظر، حتى أنهم أصبحوا في حال انفصام عن الحال والواقع، نتيجة انشغالهم وتفاعلهم العجيب، ضيعوا الأوقات، وهدروا الساعات، ومات عندهم الاهتمام والهمم، نمت عندهم عوامل القطيعة، وبهت عندهم التواصل، وانتشر بينهم التباعد والتفكك، وهجر بعضهم البعض الآخر، الدفء الأسري عندهم غاب، والجلسات الحميمية بين أعضاء الأسرة الواحدة غابت، حتى أصح كل فرد من أفراد الأسرة الواحدة يتناول معظم وجباته في المنزل بمفرده، أصبح لكل فرد برنامجه الخاص، ومعرفه الخاص، وجهازه الخاص، وأصدقاءه الوهميين الخاصين، برزت الأنانية والتفكير الخاص، والبحث عن الأغراب والتفاعل معهم دون الأقربين، ولكي تعود البيوت صالحة كما كانت عليه أيام الزمن الطيب، والحياة الحلوة، على الآباء والأمهات أن يصلحوا حالهم أولاً، وأن يكونوا قدوة حقيقة لأبنائهم، وأن يعودوا إلى رسالتهم الحقيقة في الإصلاح والدفع والتشجيع والوعظ والإرشاد ولم الأسرة، ومنح الأبناء الاحتياجات الاجتماعية والنفسية، وترك المجال للأبناء في التعبير عن مشاعرهم أهدافهم وتطلعاتهم، وما يجول في خواطرهم، والاستماع الدقيق لهم، والإصغاء إليهم، وعلى الأبناء أيضاً السمع والطاعة والرجوع إلى الحق وتعاليم الدين، والحال والمنطق، والسمع والإحسان والتأدب مع الوالدين قولاً وعملاً، وخفض الصوت والمخاطبة بالكلام اللين، احتراماً لهم، ورحمة بهم، وفي النهاية ينبغي أن تظل تلك الوسائط أدوات في أيدي الجميع يستخدمونها ولا تستخدمهم، يملكونها ولا تملكهم، يتعاملون معها بقدر الحاجة ولا يستسلمون لما تفرضه عليهم من قيم دخيلة، وثقافات سيئة، وعادات مقيتة، مغبون ذلك الشخص الذي يراهن على خسارة أسرته وبيته لصالح أصدقاء عالم وهمي لا يقدمون له سوى النكات واليكات واللغو المبين والسماجة.