التوفيق بين أمر الأم ونهي
الزوج عن ذلك
* كيف أوفق بين بِرِّ أمي ورضا زوجي، فأمي تريدني أن أزورها كل يوم، وفي ذلك مشقة علي، وزوجي لا يرغب في ذهابي لأمي يوميًّا، وأمي لا تقتنع بأي عذر، فهل تركي لزيارتها يوميًّا، والاقتصار على زيارتها مرةً أو مرتين في الأسبوع حسب ظروفي-مع غضبها-، هل يعدُّ هذا عقوقًا لها؟
- على كل حال بِرّ الوالدين واجب، وعند التعارض بين مطالب الوالدين ومطالب الزوج بعد الزواج، فحق الزوج على زوجته مُقدَّم على غيره مُطلقًا، فهو مُقدَّم على جميع الحقوق من حقوق المخلوقين، فإذا تعارض طلبُ الوالد أو الوالدة مع الزوج فحق الزوج مقدَّم، ومثل هذا يُقال فيما إذا تعارض حقُّ الوالد مع الوالدة، وقد سُئل الإمام مالك -رحمه الله تعالى-: أمرني أبي فنهتني أمي؟ قال: أطعْ أباك ولا تعصِ أمك.
وبعض الناس قد يتصور أن هذا الكلام حيدة عن الجواب، وأنه ليس فيه جواب كافٍ ولاشافٍ، كيف يطيع أباه ولا يعصي أمه في الأمور المتعارضة مثل هذا؟ لا شك أنه إذا أمره أبوه فطاعته واجبة، وإذا نهته أمه عن طاعة أبيه فإن كان الاشتغال بطاعة أبيه يُفوِّت لها مصلحةً فحقُّ الأم أعظم، وإن كان لا يُفوِّت لها مصلحةً ولا تتضرر بطاعته، فنهيها له معصية؛ لأنها تنهاه عن بره بأبيه ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. فلا شك أن هذه الأمور تجب مراعاتها، وأن الإنسان يخرج من المسألة برضا جميع الأطراف، لكن إذا لم يُمكن فهناك مقاطع للحقوق، فأولى الناس بالبر الأم ثم الأب، لكن المرأة حقُّ زوجها أعظم من حق والديها، فزوجوها بطوعهم واختيارهم فانتقلت الحقوق إليه مع وجود حقوق للوالدين، على ألَّا تتعارض مع حقوق الزوج.
فالسائلة هنا ليست بعاقة، لكن عليها أن تسعى وتُسدد وتُقارب بإرضاء والدتها بالأسلوب والطريقة المناسبة، وتُقنع زوجها بأن تُكثر من زيارة أمها؛ لترضى عنها، وبالتفاهم يحصل الخير الكثير -إن شاء الله تعالى-.
* * *
أخذ الإمام أو المؤذن الراتبَ كاملًا مع التفريط!
* هل يحق للإمام أو المؤذن أن يأخذ الراتب كاملاً وهو غير مواظب على الحضور للأذان أو الإمامة؟
- هذا الذي يتخلف عما يتقاضى عليه أجرًا لايجوز له أن يتخلف إلا لعذر، فإذا تخلف لعذر؛ فإن كان هذا العذر يَقتنع به مَن ولَّاه على أنه يُعذر فيه ويَستحق معه الراتب كاملاً فلا مانع، لكن إذا كان هذا العذر لا يَقبله مَن ولَّاه هذا الأمر، فعليه أن يبرأ من الراتب بقدر ما فرَّط فيه مما وجب عليه.
* * *
سبل الثبات على دين الله
* هذا العصر عصر الفتن والخلاف، فما هي السبل والطرق للثبات على دين الله؟
- السبيل الوحيد للثبات على الدين والسلامة من الفتن لزوم الكتاب والسنة والاعتصام بهما، «تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدًا: كتاب الله، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم» [مستدرك الحاكم: 318]، فالاعتصام بالكتاب والسنة كفيل بالسلامة من الفتن والثبات على الدين، ومن أسباب الثبات على الدين: لزوم الصالحين الذين يعينونه على الثبات، وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ [الكهف: 28]، والبعد عن مواقع الفتن، فلا يعرض نفسه للفتن ثم يلقي باللائمة على غيره، فهو الذي أوجد هذا السبب الذي جره إلى هذه الفتن، ومع ذلك يتقرب إلى الله -جل وعلا- بما افترض الله عليه وبما شرعه له من النوافل، «وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته: كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه» [البخاري: 6502]، هذه من أسباب الحفظ، يَتقرّب إلى الله -جل وعلا- بما افترض عليه، ويضيف على ذلك النوافل؛ ليحفظه الله -جل وعلا-، ويحفظ جميع جوارحه.
وأيضا يُلحّ على الله -جل وعلا- بالدعاء، ويلتمس أوقات الإجابة، ويلزم «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك» [الترمذي: 2140]، إلى آخر ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام-من الأدعية.
** **
يجيب عنها معالي الشيخ الدكتور/ عبدالكريم بن عبدالله الخضير - عضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء