محمد آل الشيخ
السياسي، معارضًا كان أم مواليًا، حين لا يقرأ التاريخ، أو أنه يقرأه لكنه لا يتعظ من تجاربه، يصلح أن يمتهن أي مهنة، إلا أنه لا يصلح أن يكون سياسيًّا.
ما تُسمى تجاوزاً المعارضة السعودية في الخارج، لم تحقق أي قيمة أو مكانة لها وزن وتأثير طوال تاريخ المملكة الحديث. حيث إن اللاحقين لم يتعلموا من السابقين، لأن قراءتهم للتاريخ هي قراءة رغبوية، لا علاقة لها لا بالموضوعية ولا بالعقلانية، هذا إذا كانوا قد قرأوا التاريخ أصلاً. خذ مثلاً «سعد الفقيه» وصاحبه، الذي تحول إلى خصم لدود له «محمد المسعري»، هذان الرجلان يعتبران أدق مثال على أن تلك المعارضة المزعومة، لم تحقق إلا الإفلاس خلال فترة امتدت إلى ربع قرن، وبعد فشلهما الذريع، تحولا إلى أصوات للإيجار، لكل من أراد الإساءة لسياسة المملكة، بالشكل الذي جعلهما مكشوفين في الداخل السعودي؛ وليس لدي أدنى شك أنهما لو أمنا العقاب من المواطنين قبل الحكومة، لعادا للمملكة فورًا. فشل المسعري والفقيه كان من المفروض أن يأخذه الآخرون عبرة، فالمملكة وعقدها الاجتماعي بين الحاكم والمحكومين في غاية القوة، هذا إضافة إلى أن السعوديين يدركون تمام الإدراك أن البديل للدولة السعودية القائمة ستكون فتنة لا تبقي ولا تذر؛ وهذا مارأوه بأعينهم في ليبيا وسوريا واليمن، وإذا لم يتعظ السودانيون، فسيكون السودان هو القادم الجديد.
ربما أن الفقيه والمسعري انشقا لأنهما ظنا أن الصحوة المتأسلمة ستعصف بالدولة مثلما عصفت ثورة الخميني بالشاه حينها، غير أن من أتوا بعد الفقيه والمسعري كان يجب أن يستفيدوا من رهانهما الخاسر؛ فالمملكة دولة تختلف عن دولة الشاه أو تلك الدول التي عصفت بها رياح الربيع العربي، فجذورها ضاربة في أعماق شعبها، وشرعية الأسرة المالكة متغلغلة في وجدان مواطنيها، فقد مرت الدولة السعودية بثلاثة أطوار، سقطت في طورها الأول بسبب الغزو العثماني الغاشم، لكنها عادت وقامت، وسقطت بسبب خلافات بعض أمرائها، ثم عادت وقامت، وما تزال في طورها الثالث قائمة راسخة مستقرة، فلولا هذه الشرعية الضاربة بجذورها في أعماق الأرض والإنسان الذي يعيش عليها، لما تحقق لها ذلك ثلاث مرات متتالية.
والمملكة الآن هي في أقوى مراحلها على الإطلاق، فالسلطة في يد الملك، لا يُشاركه فيها أي مراكز قوى أخرى، كما أن جميع دول العالم في الشرق والغرب يُجمعون على أن استقرار المملكة واستتباب الأمن فيها، هو مطلب يهم كل العالم أجمع، أما ما تمارسه تركيا العثمانية ودويلة قطر من استهداف لنا، فهو أقرب إلى (العبث) من كونه سياسة حكيمة متوازنة، تقوم عل أسس سياسية سليمة.
الأخونج السعوديون الذين أفرزتهم (الصحوة) أغلبهم الآن إما موقوفون أو هاربون، وهم -أدركوا أم لم يُدركوا- متورطون، وبالذات أولئك (الهاربون) إلى تركيا، فأردوغان كما هو معروف براغماتي، متى ما وجد أن مصالحه تقتضي التضحية بهم والتخلص منهم، سيفعل، الأمر الآخر أن دويلة قطر حينما تصل إلى قناعة أن الصرف عليهم ليس له مردود، ستتركهم يهيمون على وجوههم، يعصف بهم الجوع والعوز.
والأخونج السعوديون، سواء من هم في الداخل، أو أولئك المشردون في الخارج، ثبت الآن بما لا يدع مجالاً للشك أنهم انكشفوا لدى السعوديين، وأن فرصتهم في العودة للتغلغل ثانية في مفاصل صناعة القرار السعودي أصبحت ضربًا من ضروب المستحيل، حتى دويلة قطر لم يبق فيها من يساند الأخونج سوى الأمير الأب، أما الأمير الحالي فيتحين الفرص (لكنسهم) خارج التراب القطري متى ما سمحت له الفرصة كما أكد لي أكثر من قطري.
إلى اللقاء