فيصل خالد الخديدي
مع الثورة المعلوماتية والتحولات الاقتصادية وهيمنة رأس المال على جميع مفاصل الحياة الاجتماعية والثقافية، ومع الانفتاح المعرفي والتقني والثقافي لم يعد من الممكن الانعزال عن العالم والعيش في منأى عن التأثير والتأثر بكل ما هو محيط، والعالم كله أصبح محيطًا بنا بل عند حدود أطراف الأصابع، وبضغطة زر أو لمسة شاشة تحضرُ الأحداث وتُشاهد الوقائع في الوقت نفسه وكأن الإنسان شاهد حاضر لها وإن كانت آلاف الأميال تفصله عنها. كل هذا ألقى بظلاله على ثقافة المجتمعات بل أعاد تشكيلها ورسم ملامح أخرى لهوياتها، وربما طمس ومحى أكثر من ملمح وغيَّر في صياغتها, واختلفت حالات التلقي والتعاطي مع هذا التغير القسري في الثقافات والانفتاح الإجباري على الآخر، فهناك من ضرب بأسوار المُقاومة ورفض التغيير وغلب الخوف من الآخر حتى أخذ طابعاً مؤسساتيًا، فكريًا في العديد من المجتمعات تحت مظلة المحافظة على الهوية والإرث الثقافي، وآخر متطلع للمواكبة والانفتاح على الثقافات الأخرى وأنها حق إنساني يصلح لكل زمان ومكان دونما هوس الخوف من الآخر وعقدة المحافظة على الهوية والموروث، وهو ما أفرز جيلاً تائهاً بين المحافظة على ما تبقى من ملامح شخصيته الفكرية والثقافية وبين المعاصرة والانفتاح على العالم.
وفي الفنون التشكيلية محلياً لم يختلف الأمر كثيراً بل إن المطالبات لكل اتجاه بدأت تظهر على السطح، وكل فريق يرى أنه على حق وهو واجهة الفن الحقيقي والمنقذ لها، وهو أمر إيجابي وحراك صحي في أي مجتمع متى ما كان مبنيًا على وعي كامل وعمق طرح من كل اتجاه يتبنى فكرًا ومبادئ سواء كانت من دعاة المحافظة على الإرث الثقافي والفكري والهوية المحلية أو الشرقية، فهي غنية ولم ولن تنفد متى ما تعامل معها بعمق، أو المعاصرة ومواكبة مستجدات الفنون العالمية والانفتاح على الثقافات الأخرى بصدق وفكر واشتغال ثقافي عميق لما يطرح, وسواء اقتنع كل فريق بطرح الآخر أو لم يتفق معه فهو أمر إيجابي واختلاف مثرٍ للساحة، ولكن يبقى الطرح الأخطر والأكثر سلباً وضرراً بالساحة التشكيلية والثقافية، وهو تقديم الثقافة المحلية والهوية الشرقية بطريقة تهكمية تشي بتخلف فنونها وشعوبها بطرح معاصر موارب وخطاب مزدوج يقدم للآخر بصيغة مسيئة وللداخل بتعميم وتورية.