رمضان جريدي العنزي
على قناة الجزيرة أن تعيد ترتيب أوراقها، عقلها خبرها توجهها وفكرها، عاطفتها طيشها وحزبيتها، عليها أن تعيد كريات دمها إلى مجراها الصحيح، بحسب ألوانها الحمراء منها والبيضاء، وأن تغلق مسامات جلدها التي لا تنضح منها سوى رائحة نتنة لا تقبل ولا تستساغ، عليها أن تتوقف عن أداء الطقوس البهلوانية، والمسرحيات العابثة، والتنظيرات المشاغبة، وفتل العضلات الواهنة، وألا تغرد مثل تلك البومة التي تحاول تقليد البلبل وهي الموهنة بالعبوس والشؤوم والكدر، قناة الجزيرة ما زالت غارقة في السلوك الخاطئ، سفينتها منهكة، وأعمالها باهتة، ومرافئها لا ترسو عليها الصدق والحقيقة، وفردوسها ليس به عشب، وحتى سنابلها يابسات وليست خضرا، وبيدرها ما فيه قمح، قناة الجزيرة عار وشنار، أخبارها بهت ودجل، وأعمالها تدليس، وفيها هراء وخواء وركاكة، وليس عندها تروٍ ولا تأنٍ ولا حكمة ولا دبلوماسية ولا بعد النظر، قناة الجزيرة مثل طفل نسي والديه فطامه، فظل متعلقاً بــ اللهاية، أو كمثل الذي يستشفي فمد للشمس أقدامه ونام طويلا، فلا استمتع بالشمس، ولا مس قدماه الشفاء، أصبحت إعلاماً عبوساً قمطريرا وبه دمامة، لم تعد شمسا مشرقة، ولا قمرا منيرا، ولا سراجا ينير الدروب وفق الصدق والحقيقة والواقع، أصبحت منبرا ينضح بالخطيئة والدسائس وحياكة البهتان، سماؤها وغيومها صارت ملبدة بالأدخنة والسموم الكثيفة، وإضاءاتها خفت بريقها، قناة الجزيرة ما عادت نهرا على ضفتيه ينبت العشب، صارت مساحتها تنتج الكدرا، غدى التيه عنوانا لأعمالها، وبوابة للدخول إليها، تاهت في الظلم والظلام وكثافة الغمام، فيا قناة الجزيرة والقائمين عليها، محرريها ومذيعيها وموليها ومرتزقيها تعالوا أتلو عليكم الحكاية: كنا رعاة، نمشي حفاة، لكننا لم نستكن، حتى غدا بحرنا الملح الأجاج، عذبا فراتا، وبيوت شعرنا الصغيرة أبراجا مديدة، وإنساننا الجاهل صار متعلما مبدعا منتجا وفقيها، ملكنا طوق الياسمين، والحقل والبيدر، ونمشي بالليل ولا نتيه، ونجعل من الصعاب مطية، نعرف السراب ولا نخاف من الظمأ، ونقيس المسافات قبل المبتدأ، ولا نبتأس ولا يصيبنا العجز ولا الخور حتى نبلغ المنتهى، فنحن صقور ولا يليق بنا الهمهمة، ولنا عينان تختزلان كل ملمة، وعقول تعرف معنى الأسئلة، نحن النسور والذئاب والقصيدة والسنبلة، نحن المرجلة، أبدا لا ترتجف قلوبنا من الموت قيد أنملة، سراجنا منير، ونحن أمة حية متأملة، جبال جنبنا متحدة مع سهول شمالنا بأكمله، وغربنا وشرقنا حدائق بالحب والود مترعة، ونعلن العصف متى شئنا، لذا وصلنا إلى ما وصلنا إليه، أعيد إليكم الحكاية: بلادي بلاد الشمس، ومنبع النور، وجلال الهدى، منشغلون نحن الآن بجمع الضوء والترتيب والبناء، بينما أنتم منشغلون برسم الفتن، وكيف يكون الناس بين النزوح وبين اللجوء وبين الغرق، منشغلون بالدسائس وحفر المقابر ومصاحبة الغربان وتعرفون جيدا الطريق إلى الجحيم، وكيف توقدون النيران في الاتجاهات كلها، وارتعاشات الصقيع عندكم كبيرة، وتسيرون بساق واحدة، وتنظرون بعين واحدة، وفكركم أحادي، ولا تفرقون بين اللصوص والأصدقاء، تريدون أناشيد من الياقوت، ونوافذكم عن الحق مغلقة، تنادون بالسلام، وأنتم من جعلتم من البلدان أعواد ثقاب، وأنهار دماء، وركام حطام، وحتى العصافير التي تحلم بعش صغير فوق شجرة أجبرتموها بحزن على المغادرة، فيا تعاستكم حين تتوارون خلف لحاء الشجر، تقتلون الحلم الأخير، وتنثرون الدم بتوحش، وترقصون رقصة المجنون على خيباتكم الملوثة، لكن لغوكم المسعور نحشوه لنا وسائد ولا نبالي، وحفلتكم المجنونة المدفوعة بالمرارة نفتح لها المضيق لتعبر دون اكتراث، ستخسرون الرهان، وستنامون نومة الميت الأبدية، فيا مرتزقة قناة الجزيرة، وصناع البهت فيها، والآتين إليها من فجوج التشرد، وأرصفة الجوع والبرد، أعرفوا جيداً بأن لنا موقفا، ولنا عنوانا، ولنا أديما، ولنا الحق، ولنا الصدق، وتاريخنا مجيد، وأرضنا ثبات، لغتنا واحدة، طقوسنا مغايرة، وإتحادنا قويم، وفسيفسائنا لا مثل لها.