د.محمد بن عبدالرحمن البشر
بعد سقوط غرناطة الأندلسية عام 1492م، كان قد صاحب الاستسلام شروط يتيح للمسلمين استخدام لغتهم، وممارسة شعائرهم، لكن الحقيقة أن تلك الشروط لم تصمد مدة طويلة، وحل محلها الكثير من القوانين التي تحد من استخدام لغتهم، وممارستهم شعائر دينهم، كما أن الكثير من المساجد قد تحولت إلى كنائس.
بعد مرور خمسين عام من السقوط، أخذ الطابع الإسلامي والعربي يختفي بشكل كبير، وأخذ المجتمع يفقد خصائصه، وأضطر العديد منهم رهبة أو رغبة أن يعتنق النصرانية ويصبح مورسكياً، وفي عام 1526م، أصدر الإمبراطور شارلكان قانوناً يحرم التخاطب باللغة العربية، وكانت مازالت اللغة الرسمية للمعاملات بين العرب، وكذلك في الأدب والشعر، ومع ذلك فلم يتم تطبيقه بشكل حازم، وكان المدجنون الذين ظلوا متمسكين بدينهم ولغتهم في مناطق أخرى غير غرناطة يستخدمون لغتهم العربية دون مشاكل رغم سقوط مدنهم قبل غرناطة بعقود طويلة من الزمن.
لاشك أن عدم التلاقح والتلاقي مع المغرب وغيرها من الدول الإسلامية، قد أضعف اللغة العربية بشكل كبير، وكان الزمن كفيل بذوبانها، لكن فيليب الثاني، لم يكن لديه من الصبر ما يجعله ينتظر اضمحلال اللغة وزوالها بشكل طبيعي، فأصدر في عام 1566م قانوناً صارماً يحرم استخدام اللغة العربية في جميع المعاملات، وحتى التخاطب بين أفراد المجتمع، وقد طبق القانون بشكل حازم، فكان هذا القانون ضربة قوية على اللغة التي هي في الفترة الأخيرة تعاني من ضعف كبير.
أصبح لزاماً على المورسكيين أن يتحدثوا اللغة القشتالية في المعاملات والمخاطبات العادية، فأخذت اللغة العربية تفقد ما تبقى لها من أثر. لقد عزّ على المورسكيين أن يطلقوا لغتهم الأصلية، رغم إجبارهم على ذلك، فأخذوا في ابتكار لغة يمكن اعتبارها جديدة، وهي لغة قشتالية تكتب بالأحرف العربية، وتطعم بالعديد من المفردات العربية واللاتينية، القديمة، والرومانية، وهي لغة كان المستعربون يتحدثون بها بحرية كاملة عندما كانوا يعيشون في ظل الحكم الإسلامي، والحقيقة أن اللغة اللاتينية القديمة والرومانية كانت اللغة التي تعامل بها إضافة إلى المستعربين بعض العلماء المسلمين، والصقالبة والمحيطين بالقصر سواء في العاصمة قرطبة أو غيرها من المدن المتحضرة، وكانوا يسمونها اللطينية، أي اللاتينية، وفي الغالب فإن التاء تقلب إلى طاء في اللهجات السائدة في الأندلس، وهذا أيضاً ما زال سائداً في المغرب العربي الشقيق، فالأغلب يقول للتاكسي، طاكسي صغير، أو طاكسي كبير، أي التاكسي الحافلة.
لقد نشأ عن ذلك كله لغة مكتوبة تمسى الألخميادو، أي الأعجمية لكن باللهجة الإسبانية لاسيما أن حرف الجي في اللغة الإسبانية ينطق خاء، وقد استمر المورسكيون الذين أجبروا على التنصر لكنهم في سريرتهم لم يغيروا دينهم، وظلوا متمسكين به سراً يستخدمون الألخميادو.
لقد استمرت هذه الكتابات مطمورة غير مكتشفة لمدة قرنين حتى تم اكتشافها وكان جل ما تم اكتشافه أذكار وتفسير للقرآن الكريم، وبعض الآراء الفقهية طبقاً لمذهب الإمام مالك، كما تحتوي على مدائح للرسول -صلى الله عليه وسلم-، وكان يتم تداولها بين الناس للثبات على دينهم في الخفاء، كما أنهم يعلمون أبناءهم أمور دينهم من خلالها، ويعمل المجتهدون منهم على تعليم أكبر عدد ممكن ولهذا فإن الإيمان بالدين الإسلامي، استمر أكثر من قرن، رغم محاكم التفتيش، والبحث عن المؤمنين. ومن ضمن ما كتبوه بهذه اللغة تفسير القرآن الكريم، وبعض الأحاديث، وكتبوا عن تفسير الرؤيا، وقصص الرسل والأنبياء.
الحقيقة أنه لا يوجد بينهم، وبين الدول الإسلامية أيّ تمازج لذلك فإن الإضافات العلمية كانت محدودة، وإنما كانوا مكتفين بما لديهم من معلومات أخذوا في توارثها لاحق عن سابق. وكتبوا شيئاً من الأدب والشعر لكن في الحقيقة أنه كان ضعيفاً، وأيضاً كتبوا الزجل، وهو ما كان سائداً في عصور مضت، وكان ابن قزمان في العصور السابقة من أشهر الزجالين، وكان يستخدم بعض المفردات اللاتينية والرومانية في شعره الزجلي.
الحقيقة أن مرحلة ضعف اللغة لا يعني زوالها، أو عدم انبعاثها مرة أخرى، وهذا ما لاحظه العلماء من فترات من الزمن، حتى أن الجزائر التي كادت أن تفقد لغتها العربية عاد إليها اللسان العربي وبسرعة كبيرة في عمر الزمن، من خلال التعليم ونشأت الأبناء. هناك عدد من مخطوطات الألخميادية في عدد من المكتبات العالمية، لعل من أبناء البلاد العربية من يساعد في تحقيق بعضها.