زكية إبراهيم الحجي
أنا الدكتور (س) تشرفت بالحضور إلى... تغريدة شهدت تعليقات مثيرة متسمة بشيء من السخرية فيما بين المغردين لما فيها من تعالٍ وتمجيدٍ للذات الفردية جسدت شعوراً يطرح تساؤلاً كيف «س» ذاته ويصبح أنا؟ هل ذلك يتم عن طريق الوعي أم عن طريق الإرادة.. هل بالانفصال عن المجتمع والانطواء واختيار العزلة.. أم بالانخراط والانفتاح على الآخر.
«الأنا» ضمير المتكلم الذي تعرفنا عليه من كتب القواعد والنحو في مشوارنا التعليمي.. يبدو أنه لم يُحسن توجيه البشر فضاع في متاهات كينونة بعض البشر وعجز عن تقديم انحناءات للذات فسقط في نرجسية فعله.. كذاك الفتى النرجسي الذي أمرضه عشقه لذاته فسقط ميتاً يوم تراءت له صورة بهاء وجمال وجهه تُراقص خرير مياه غدير في ليلة انحنى فيها ضوء قمر السماء يداعب طيف ذلك الوجه الوسيم.
فإذا كانت رؤية الأنا في مرآة الآخر ورؤية الآخر في مرآة الأنا ليست خروجاً على الموضوعية فكيف تفقد الأنا جمال الإيجابيات وسحر التعالي المتدثر بالتواضع.. وتنفي نفسها عن الجموع لتبقى نرجسية تدور في فلك الذات تهيم عشقاً بها.. وتصدح حروفها بنرجسية التعالي.
أنا ابنُ جلى وطلاع الثنايا
متى أضعُ العمامةَ تعرفوني
جنون عظمة الأنا مثلت نواة دلالية للتعالي والتفاضل بينها وبين الآخر.. هذا الأخير الذي يبقى أقل شأناً.. مهما أوتي من قوة.. إلا أن نزعة ضمير «الأنا» المرتكز في وجوده على التماهي والنرجسية كانت عند «المتنبي» ضميراً تصاعدياً مما يشير إلى قمة التباهي بعظمة الاستعلاء ونرجسية الذات والتفاخر بذلك.
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي
وأسمعتُ كلماتي من به صمم
وعبر التاريخ قرأنا في سيرة حياة عدد من الزعماء السياسيين ممن أصابت عقولهم لوثة النرجسية والشعور بعظمة الذات فانتهت حياتهم إما بطلقة رصاص أو شحنة ناسفة أو حملتهم أموالهم على أجنحتها الدافئة إلى عواصم بعيدة.. لكن كل أولئك لم تكن نرجسيتهم كنرجسية زعيم ليبيا الأسبق «معمر القذافي» هذا الرجل الذي لم يدع لقباً من الألقاب النرجسية إلا وأطلقه على نفسه وكأنه بطل من الأبطال العظام أو فارس يَهزم ولا يُهزم.
الإنسان كائن اجتماعي بطبعه.. لم ولن يكون كاملاً «والكمال لوجه الله تعالى» لذا فجوانب النقص في إنسانيته متباينة ارتفاعاً وانخفاضاً وتتمثل في أوجه مختلفة فيتلمس أنجع الطرق للحصول على التوافق والتكامل بعيداً عن كل ما عُرف بالمصالح الشخصية فقد يجد ضالته من خلال التصاقه بمن لم تنحنِ هاماتهم نحو المسالك الأحادية المثيرة للأنا النرجسية.
يبقى كثير من الناجحين والمرموقين عظماء بأعمالهم وأفعالهم وإنجازاتهم.. يذكرهم التاريخ ليس بالمال والجاه والمركز بل بعظمة ضمير المتكلم بصمت «أنا».