أ.د.عثمان بن صالح العامر
في مقال الثلاثاء ذكرتُ أولاً: إن الرقابة الأسرية على ميداننا التربوي صارت قاب قوسين أو أدنى، والواجب أن يستعد القائد والمعلم والمرشد لهذا النوع من الرقابة التي تحتاج إلى ضبط وترشيد من قِبل مقام الوزارة الموقر، وألا تبقى خاضعة للاجتهادات الفردية والحس التربوي لدى فريق المدرسة.
في مقال اليوم تأكيدٌ لأهمية الوعي الأسري في كيفية وآلية متابعة الأبناء والبنات في التعليم العام طوال أيام العام الدراسي.
أذكر أنني قرأتُ خبرًا صحفيًّا قبل سنوات عدة، فحواه أن التعليم الياباني يعقد في بداية كل فصل دراسي دورة تدريبية للأمهات في كيفية متابعة الأولاد بعد عودتهم من مدارسهم، ومساعدتهم في حل الواجبات المنزلية، ومراجعة ما أخذوه في هذا اليوم. وبصراحة، راقت لي الفكرة حينها، ولم يشأ الله أن أكتب عنها، وجاء الوقت المناسب لطرحها على معالي الوزير والأسرة التعليمية؛ علَّها أن تجد لها صدى في أجندة الوزارة التي تسعى جادة في تبني مبادرات نوعية، يكون من وكدها المشاركة الجادة في تحقيق رؤية المملكة 2030.
إن من الإشكاليات التي يعاني منها الطالب، خاصة مَن هم في الصفوف الدنيا، ازدواجية الأسلوب، وتبادل الأدوار، واختلاف الطريقة، وربما تباين الإجابات بين ما يسمعه في المدرسة عند الصباح وما تمليه عليه أمه حين المساء، أو تتولى هي الكتابة عنه. وهذا قد يشوش عليه ذهنه، ويؤثر في فهمه، ويشتت عليه مداركه.. لذا فمثل هذه الدورات التثقيفية التي تنزع لربط الأسرة بالمدرسة، وكذا العكس، تمهد لتوحيد طرائق التدريس والمراجعة، وتضمن سلامة الإجابة، خاصة في العلوم الإنسانية التي غالبًا ما يكون للسؤال فيها إجابات عدة، ومطلوب من الطالب أو الطالبة استنتاج المراد. والأمثلة في هذا كثيرة.. وبهذا فقط نجعل هؤلاء الصغار يصدقون المؤسستَيْن، ولا يحدث لديهم اضطراب في الفهم، وتردد بين هذا وذاك، أو اتهام لأي طرف بأنه لا يعرف الجواب الصحيح.
قد يظن البعض أن هذا الأمر لا يستحق كل هذا التنظير؛ فهناك من قضايا التعليم ما هو أشد وأنكى. ومعه الحق في ذلك، ولكن من يعايش معاناة الأسرة في المتابعة والمراجعة، خاصة حين يكون معلم المادة أو معلمتها لا يكترث بإيصال المعلومة بالشكل الصحيح، ولجميع مَن في الفصل، ربما قال غير ذلك، وجزم بأن الأسرة اليوم هي أولاً وثانيًا في ضمان نجاح العملية التعليمية. وليس بدعًا من القول أن أذهب إلى هذا، وقد علق عليه الصلاة والسلام على هذا الكيان الصغير مسؤولية التربية الصالحة كاملة. وفي عالمنا المعاصر يجد القارئ في أدبيات التربية والتعليم والتجارب العالمية أن فنلندا - على سبيل المثال - تشرك الأسرة في تقويم أولادهم فيما يسمى لديهم بالتعليم الأساسي من الأول حتى التاسع بشكل مباشر، وتُضمن فقرات التقويم الشهري نقاطًا سلوكية داخل الكيان الأسري، لا علاقة لها بالمنهج الدراسي والتحصيل العلمي. وقد كتبتُ عن هذه التجربة كاملة خمسة عشر مقالاً في هذه الزاوية عام 1427هـ، كما أنني رفعتُ تقريرًا متكاملاً عن التعليم الفنلندي، وإمكانية الاستفادة مما هو مطبَّق هناك، ويتوافق مع طبيعتنا وخصائصنا الرسمية والمجتمعية بعد عودتنا نحن وفد وزارة التربية والتعليم من هناك. دمتم بخير، وتقبلوا صادق الود والسلام.