م. خالد إبراهيم الحجي
إن تجارب الدراسات الجامعية والدراسات العليا بالنسبة للطلاب الجدد تعتبر خطاً تعليميًّا متصاعدًا في تحديد مجالات التخصصات النظرية العلمية والتطبيقات العملية التقنية، وتزداد تحديداً أكثر ودقة أكبر في الدراسات العليا بعد المرحلة الجامعية وتزداد الانفتاحات الفكرية والاستقلالات الشخصية والاعتماد على الذات عند الطلاب وتزداد أكثر في حالات الدراسات الجامعية في الدول الأخرى التي تُعرف بالابتعاث الخارجي الذي يوجد في معظم دول العالم. ولا شك أن الابتعاث الخارجي يترك على المبتعثين بصماتٍ ظاهرةً وانطباعاتٍ بارزةً وعائداً ثقافياً واجتماعياً نراه بوضوح على المبتعثين، ونلمسه على بعض شرائح المجتمع، وهم يؤكدون دائماً في أحاديثهم ومحاضراتهم وندواتهم على غبطتهم بالدراسة في الخارج، واعتزازهم المستمر بتجاربهم الفريدة وفخرهم الدائم بتفوقهم في تخصصاتهم النادرة، وتأكيدهم على أن الابتعاث تجربة ثرية ومثيرة، ومحطة فاصلة في حياتهم وفي تصحيح تصوراتهم النمطية السابقة عن الثقافات الأخرى، وتغيير انطباعاتهم الأولية عن أصحابها، سواءً ثقافات الدول التي درسوا فيها أو ثقافات الدول الأخرى التي مروا عليها في رحلاتهم الدراسية من أوطانهم وأثناء العودة إليها مرة أخرى بعد التخرج.. والابتعاث يشمل العلوم الإنسانية النظرية مثل ابتعاث الدول الإسلامية لطلابها للدراسة والتخصص في مجالات اللغة العربية والعلوم الإسلامية في الجامعات العربية، مثل: الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة في المملكة العربية السعودية، وجامعة الأزهر في القاهرة عاصمة مصر، وجامعة القرويين العريقة بمدينة فاس في المغرب. كما يكون الابتعاث الخارجي لدراسة العلوم التطبيقية والتقنية، مثل: ابتعاث أغلب دول العالم طلابها لدراسة العلوم والصيدلة والطب والهندسة والتكنولوجيا في جامعات الدول المتقدمة. والدليل على أهمية الابتعاث الخارجي أن الدول المتقدمة التي تعد قبلة العلوم والتكنولوجيا، ويتوافد عليها الطلاب من جميع دول العالم للدراسة فيها، أنها ترسل طلابها للدراسة في الدول الأخرى وفق برامج اتفاقيات التعليم والابتعاث وتبادل الخبرات بينها وبين الدول الأخرى المتقدمة، مثل: الهند والصين واليابان، ودول الاتحاد الأوروبي، وأمريكا.. وثمرات الابتعاث الخارجي تتضح في الصور التالية:
(1): يضع الطلاب في مسارات التحديات المختلفة بسبب وجودهم في بيئات خارجية أجنبية غريبة عن بيئاتهم المحلية التي نشأوا فيها، والعيش مع مجتمعات تختلف في العادات والتقاليد والثقافات عن مجتمعاتهم الأصلية؛ فيدركون أوجه التشابه ويستفيدون من مجالات التباين في ثقافات مجتمعات الدول التي درسوا فيها.
(2): يزيد الطلاب المبتعثين انفتاحاً فكرياً أكثر ويترك أثراً ثقافياً واجتماعياً أكبر يشكل شخصياتهم وتطوراتها في المستقبل، ويساعدهم على فهم الظواهر المختلفة من منظور أكثر شمولية وأوسع عالمية وتوسيع مجالات رؤيتهم المستقبلية للحياة والمجتمع.
(3): يستفيدون من الحوارات الموضوعية والمناقشات الإيجابية المثمرة، والتواصل الثقافي والتبادل الفكري والعلمي، وتبادل الخبرات والتجارب بين الشعوب المختلفة عن طريق الاحتكاك الفعلي مع أصحاب الثقافات الأخرى. وهذه المهارات لا تكتسب من المناهج الدراسية.
(4): يكسبهم الخبرات الثقافية الأخرى ويساعدهم على النظر إلى أنفسهم بموضوعية وحيادية، وينمي التسامح وتَقبُّل الفوارق في العادات والتقاليد الاجتماعية، والاختلافات الثقافية والمذهبية، ويقدرون التنوع الحضاري والديني؛ فيتفاعلون مع الآخرين ويقبلون التعايش والتعامل معهم بالتسامح والمرونة.
(5): يساعد على تقارب المجتمعات في العادات والتقاليد والثقافات ويزيد مظاهر التكاتف والتعاون والاندماج مع بعضهم البعض؛ لتحقيق التقدم والتطور والازدهار الذي تخطط له كل دولة.. والحقيقة أن المبتعثين في الدول الأخرى لهم دور بالغ الأهمية، وتقع على عواتقهم مسؤوليات جسيمة لأنهم أمثلة حية لتجسيد العادات والتقاليد في مجتمعاتهم، وتطبيق عملي لثقافاتهم، فيجب عليهم أن يمثلوها خير تمثيل؛ لأنهم يعتبرون مرآة لبلادهم وسفراء لأوطانهم. ومجتمعات الدول المضيفة التي يدرسون فيها ينظرون إليهم بعيون فاحصة، ويصدرون عليهم أحكامًا عامة على السلوك الاجتماعي والثقافي للمجتمعات التي ينتمون إليها.
الخلاصة:
إن الابتعاث الخارجي يقوي التواصل الثقافي والتبادل الفكري مع أصحاب الثقافات الأخرى ويعزز المبادئ الإنسانية والقيم الحضارية.