من أجل إعداد جيل قادر على تطوير ذاته، فاعل في مجتمعه ومشارك في بنائه، يبقى إعداد المدير لمدرسة المستقبل مهمة تتطلب إتقانًا جيداً للقيام بها.
وتعرف القيادة على أنها عملية توجيه الناس لمواجهة التحديات، ويعرف آخرون القادة بأنهم الأشخاص الذين يشاركون بفاعلية في عملية تحديد مسار المؤسسة وضمان الاتساق بين الرؤية والتطبيق، إضافة لضمان الالتزام بالرؤية والإستراتيجية. والقيادة أيضاً هي فن التأثير وتوجيه الناس إلى تحقيق المهمة.
ويمكن أن نستخلص من التحليل السابق أن القيادة هي إما (عملية تأثير)، أو (قدرة على التأثير)، أو هي (فن التأثير)، أو (طريقة للتأثير)، أو (نشاط للتأثير)، (جهود للتأثير)، وأن هذا التأثير يتم على آخرين قد يوصفون بالتابعين، أو المرؤوسين، أو الجماعة أو الناس لتحقيق هدف المؤسسة أو أهداف معينة.
هل القادة المميزون قادة بالفطرة أم من الممكن صنعهم؟!
ما زال يثار الجدل بأصحاب المداخل والاتجاهات المختلفة في مجال دراسة القيادة «هل القادة المميزون قادة بالفطرة أم من الممكن صنعهم؟», فهناك من يؤيد أن القادة هم قادة بالفطرة، وهناك من يؤيد أن القيادة ليست موهبة فطرية وهي شيء يمكن تعلمه وإتقانه بالخبرة والتدريب.
ويرى أصحاب الاتجاه الأول أن هناك أمثلة عديدة لقادة مشهورين لم يتدربوا مطلقاً على القيادة، لكنهم ولدوا قادة وأصبحوا قادة مشهورين، وفي التاريخ نماذج عديدة لهؤلاء القادة، وفي أدبيات القيادة عديد من الدراسات التي تناولت البحث في الخصائص والسمات والقدرات والمواهب والمهارات الشخصية التي ترتبط بالقيادة، لكن هذه الخصائص والسمات وإن كانت تنطبق على شخصيات قيادية معينة، لكنها لا تنطبق على جميع القادة، كما لا تؤيد نتائج الدراسات وجود خصائص أو سمات عامة تتميز بها كل الشخصيات القيادية.
بوجه عام تشير نتائج الإبحاث حول القيادة إلى أنه لا يوجد قائد مولود، ويرى البعض أن القول بوجود أمثلة عديدة لقادة مشهورين لم يتدربوا مطلقاً على القيادة لا ينفي أنهم اكتسبوا بطريقة ما القدرات المطلوبة للقيادة المتميزة.
وقد قامت بريطانيا مع بداية الألفية الجديدة بافتتاح كلية خاصة بإعداد القيادات التربوية الجديدة متوسطة ومتقدمة الخبرة، وتقدم الكلية العديد من البرامج المباشرة وبرامج عن بعد وتمنح الشهادات المهنية والرخص لمزاولة القيادة الاحترافية. وتم إلزام جميع مديري المدارس بالحصول على المؤهل الخاص بالإدارة المدرسية في غضون فترة زمنية محددة، إضافة لمنع أي فرد من إدارة مدرسة من دون الحصول على المؤهل الخاص بذلك. وبهذا تكون بريطانيا قد قامت بتمهين الإدارة التربوية وجعلها وظيفة لها معايير ومتطلبات واستحقاقات لابد من استيفائها.
القيادة مشاركة وبناء
القيادة والعملية القيادية ليست مرتبطة بمنصب وظيفي أو شخص معين، وإنما هي عملية يمكن توزيعها رأسياً وأفقياً على مجموعة من الأشخاص محصلة عملهم تكون القيادة وهو ما يعرف حالياً بالقيادة الجمعية، وتحتاج المؤسسة للانتقال من التعامل مع القيادة بالشكل التقليدي الفردي إلى التعامل مع القيادة بالشكل الحديث والقائم على فكرة القيادة الجمعية إلى الهيكلة المرنة في المؤسسات والانسيابية المعلوماتية للمستويات القيادية المختلفة والمشاركة الحقيقية في اتخاذ القرارات وأخيراً اللامركزية.
وهذا الاتجاه يحدد أربع موجهات أساسية تقود عملية صناعة وبناء القادة في الوقت الحالي وهي التركيز على البناء والتطوير الرأسي وليس الأفقي فقط وتحمل القادة مسؤولية البناء والتطوير الذاتي، والقيادة الجمعية في المؤسسات مقابل القيادة الفردية بالإضافة إلى الإبداع والابتكار في مجال بناء القادة وتطويرهم بأسلوب التوجيه والتدريب والدعم والتفويض.
متطلبات القيادة
إن صناعة القادة والقيادة بجميع أشكالها ومستوياتها من أهم المجالات التي تهتم بها العديد من دول العالم المتقدم لما للقيادة من أثر كبير على نجاح وفشل المؤسسات والمنظمات على اختلاف أشكالها وأنواعها، وهذه الصناعة بحاجة لمعطيات عدة ومتطلبات أساسية من بينها:
• تحديد مفهوم القيادة الذي نتبناه بدقة
• تحديد معايير القيادة المعرفية والمهارية والقيمية.
• بناء منهج علمي متكامل لإعداد القيادات.
• تنويع أشكال وفرص تعلم المنهج باستخدام التكنولوجيا.
• اشتراط القابلية للتعليم لدخول برنامج القيادات.
• التركيز على التعلم الذاتي كإستراتيجية أساسية لاكتساب المهارات والمعارف القيادية.
• اعتماد التدريب والتطبيق الميداني طول مدة البرنامج.
• متابعة مخرجات البرنامج وقياس أثر التدريب.
أدوار القائد التربوي ومسؤولياته
تؤكد العديد من الدراسات والبحوث والتقارير أن القائد الناجح هو أحد أهم القواسم المشتركة للمدارس الفاعلة، وتشير التقارير على أن القائد المدرسي هو أهم شخصية تأثيرية في المدرسة على الإطلاق. فمدير المدرسة هو الشخصية الأكثر أهمية وتأثيرًا في المدرسة. فهو الشخص المسؤول عن جميع الأنشطة الحاصلة في المدرسة ومحيطها. ومن خلال قيادة المدير تحدد المدرسة وجهتها وثقافتها التدريسية ومستوى الاحتراف وقيم معلميها ومدى الاهتمام بما تعلمه وما لم يتعلمه الطالب. وهو حلقة الاتصال بين المجتمع المحيط والمدرسة. وسلوك أولياء الأمور والطلاب يعتمد كثيراً على سلوك وأداء المدير سلباً وإيجابًا.
إن القيادة حالياً تركز على الأمور الجوهرية في المؤسسة وتركز على ما يجب فعله وكيف تفعله؟ وكيف تطور ما تفعله؟ وهذا التطور المفاهيمي كان له الأثر الكبير في تطور مفاهيم وتعاريف وأدوار القيادة المؤسسية منها والتربوية. وفي هذا السياق حددت خمسة أدوار جديدة للقائد التعليمي أو التربوي وهي:
1. تشكيل وبناء الرؤية لتحقيق النجاح للجميع.
2. توفير البيئة التعليمية الجاذبة لتحقيق أداء تعليمي ممكن.
3. بناء القدرات القيادية في المدرسة وتبني فكرة القيادة الجمعية.
4. التركيز على تطوير إستراتيجيات التعليم والتعلم في المدرسة.
5. الإدارة الذكية للأفراد والبيانات والعمليات لتحقيق أداء فاعل وتطوير مستمر.
حاولت بعض الدراسات تحويل هذا الأثر، وهذه الأهمية للقيادة إلى أرقام كمية، واستطاعت أن تصل لنتيجة مفادها أن نصيب القيادة من نجاح المؤسسات التعليمية يتجاوز 25%. وتضيف هذه الدراسات أن ما يحدث داخل الصف مسؤول عن 30% من النتائج، وهذا يعني أن القائد التعليمي والصف المدرسي مسؤولان عن 55% من نجاح أو فشل العملية التعليمية في أي مدرسة من المدارس.
أخيراً...
إننا بحاجة ماسة لتمهين القيادة في كثير من مؤسساتنا التي باتت تعاني من الأداء القيادي الضعيف، وباتت تتحمل تبعات القرارات التي يتخذها أمثال هؤلاء القادة بتأثيراتها السلبية على العمل والعاملين والمستفيدين من هذه المؤسسات. لقد آن الأوان لصناعة قياداتنا حتى الموهوبين منهم والذين يمتلكون المواهب القيادية الفطرية، إن مثل هذه الصناعة ستساعد على تجويد العمل في مؤسساتنا وتجعلها أكثر قدرة على المنافسة في المجالات المختلفة. وأخيراً، القيادة مزيج من القدرة والفطرة، فلنطور القدرات ونرعى الفطرات.