د. محمد بن إبراهيم الملحم
يتغير الوزراء من وقت لآخر وهذه سنة الحياة وطريقة التحول للأفضل بتجديد الدماء وشكر من قدم جهدًا للوطن فلا شك أن العمل الوزاري في الوزارات الخدمية مرهق ويصعب على من يتصدى له بقوة ونشاط أن يستمر مددًا طويلة فيكون التدوير والتجديد نوع من الشكر لمن قدم لوطنه في وزارته، بيد أن التجديد له مستلزماته، وأبرزها: ما هي معالم هذا التجديد! وليس هذا حصرا على وزارة التعليم ولكنما كل وزير جديد يتوقع منه أن يأتي بالجديد (ويقول الأولون: بشر النخل بفلاح جديد) وكل وزير جديد يتوقع منه أن يقدم معالم وزارته القادمة مع بداية تسلمه منصبه لتكون رؤيته أول عامل تطمين لمن يتطلعون إلى العهد القادم، ويشتد هذا الطلب في الوزارات الخدمية التي تمس حياة الناس اليومية كالصحة والتعليم والخدمات البلدية وأمثالها.
لا أدعو إلى أن يتبنى الوزير عرض خطة تفصيلية لكل ما ينوي تقديمه، ولا أن يضع على عاتقه من التصريحات ما يمكن أن يكون صعب التحقيق أو محل جدل في وزارته بين المنفذين، ولكنما هناك خطوط رئيسة يمكنه أن يتحرك فيها بتقديم رؤيته العامة نحو التعليم: ما هي نظرته للتعليم عموما (العام والعالي)، وما هي تصوراته عن علاقة التعليم بالنتاج الوطني: الثقافي الفكري، الاقتصادي، العسكري، السياسي، الحضاري، وما هي نظرته إلى ما تم تقديمه عبر السنوات السابقة ولا يرتبط هذا بفترة من سبقه مباشرة من الوزراء بل ربما تمتد نظرته لمدة عشر سنوات مثلا، وما هو تقييمه لذلك وتصوراته نحوه للمستقبل، وإذا وجدت جوانب يرى تغيير مسارها بالتعديل أو حتى الإلغاء فيذكرها، كما يمكنه أيضًا أن يعرج على مشروعات سابقة توقفت ربما يجد هو فيها منفعة ولديه طريقة أفضل لتفعيلها فيذكرها، وحيث يتوقع إن كل وزير لديه أفكار طموحة سواء كانت من بنات أفكاره أو من مستشاريه داخل أو خارج الوزارة فيمكنه أن يختار منها ما يراه سهل المنال وغير قابل لكثير من الجدل ويدرك إمكانية تنفيذها فيعلنها في استهلال وزارته.
هذا العرض مع بداية العمل الوزاري يعطي فرصة لتقييم عمل الوزير لا من حيث تحقيق هذه الوعود بالضرورة ولكن من خلال رؤيته وطموحاته ونظرته للأمور، مسألة تحقق الطموحات محفوفة بالصعوبات والمفاجآت، ولو تعذر التغلب عليها فإن إعلانا بعد سنتين أو ثلاث عن عدم تحقق هدف معلن في بداية العمل الوزاري (أو عدم تحققه كاملا) هو بحد ذاته شجاعة يحمد عليها الوزير ونقطة تضاف إلى سجله وإن لم يحقق المطلوب تماما، فالرؤية السديدة والرغبة في التحديث والعمل عليها هو ما ينشده المنصفون... بسطاء الناس ربما يكون لهم رأي آخر لكن هؤلاء لا تتحرك بوصلة رضاهم إلا في حدود المصالح المادية المباشرة وهو أمر له اعتباره في حدوده وأطره، ولكن لا يجب أن يسيطر صوتهم (الواسع أحيانًا) على بقية متطلبات التنمية والتطوير الحقيقي للعملية التعليمية. استعراض الرؤى والخطط المستقبلية الطموحة هو أمر يفعله الوزراء في بداية عملهم في دول العالم المتقدم، وربما لأسباب انتخابية لا تنطبق في حالتنا، ولكنما هذه الممارسة لها فوائدها الأخرى المهمة التي ينبغي أن يستثمرها وزراؤنا، كما أنها بحد ذاتها كممارسة حضارية تساهم في الارتقاء بوعي المواطن الحضاري ونظرته للأمور، وتعطي فرصة للمفكرين والمختصين للمشاركة في الرأي وتقديم المشورة فقد أثبتت الدراسات أن مستوى التشاركية في الرأي Decision Participation كلما ارتفع (أو اتسع) كلما ساهم ذلك في تحسين القرارات التعليمية وتحقق الشمولية والعمق فيها.