مها محمد الشريف
في الوقت الذي ينبغي فيه التعامل مع الدول على حد سواء، هناك أمر يدعو للدهشة نظراً لتقارير الأمم المتحدة التي تجاهلت ما يحدث في جميع أنحاء العالم من اضطرابات وانتهاكات لحقوق الإنسان ووجهت اهتمامها وتحذيراتها للحكومة السودانية وطالبتها بالاستجابة لمطالب المتظاهرين ووقف العنف، في الحقيقة ما من أمة في الكون تصنع قوميتها في مسار التحولات الضخمة التي يعيشها العالم اليوم دون نفوذ، فحالما رصدت كاميرات وكالات الأنباء مظاهرات السودان حتى تحركت الاتهامات والتحقيقات وأنباء متفرقة مغلفة بالإدانة.
من الصعب في عالم اليوم إخفاء خارطة المظاهرات في أوروبا وقراءة ما يدور في أروقة الأمم المتحدة، وتباين القرارات الصادرة من المنظمة لعلاج المشاكل وإدارة عمليات حفظ السلام، وهذه عدة أمثلة على هذا التباين ونبدأ بسرد الأحداث من تركيا ومعاناة الكثير ممن اعتقلتهم السلطات التركية تجاوز الآلاف من شعبها وفصلت ما يقارب 18632 من موظفي الدولة بينهم ضباط وجنود شرطة، وأساتذة جامعات للاشتباه بهم، وما زالت الممارسات والعنف مستمرة، وكذلك الاستغناء عن 3077 من جنود الجيش، و1949 من القوات الجوية، و1126 من القوات البحرية و1052 من الموظفين المدنيين بوزارة العدل والهيئات ذات الصلة بها، و649 من أفراد الشرطة، و192 من قوات خفر السواحل، ولم تحرك الأمم المتحدة ساكناً.
لو أمكننا ذكر القليل من الكثير لكان لمظاهرات كتالونيا نصيب وافر من المشاهدة، فقد نقلت مباشرة للعالم الضرب والعنف في الشوارع واستخدام القنابل المسيلة للدموع واعتقال المئات من المتظاهرين واعتقال رئيس الإقليم، حيث خرجت أعداد كبيرة من المتظاهرين المطالبين بالانفصال، فأين شعبة أوروبا وأمريكا اللاتينية في الأمم المتحدة؟.
على الصعيد ذاته، حاول عشرات المحتجين في وسط باريس، التظاهر في شارع الشانزليزيه، إلا أنّ قوات الأمن أبعدتهم عن المكان بعدة طرق وكان «الشانزيليزيه» مسرحا لعدد من الاشتباكات بين محتجي «السترات الصفراء»، والشرطة الفرنسية، خلال التجمعات السابقة للحراك الاحتجاجي، ومنذ 17 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، لا زالت الاحتجاجات مستمرة في فرنسا تنديدًا بارتفاع تكاليف المعيشة وسياسات الرئيس إيمانويل ماكرون، وما يحدث هو عدم تفاهم مشترك بين الحكومة والشعب، فأين شعبة السياسة والوساطات في الأمم المتحدة؟
ومن الولايات المتحدة الأمريكية ما نقلته وسائل الإعلام في كل الفضاءات هجوم حرس الحدود بقنابل مسيلة للدموع على مهاجرين حاولوا عبور حدود المكسيك ووفاة طفلتين منهم، لم تذكر الأمم المتحدة تنبيها واحداً لهذا الهجوم أوتحقيقا في هذا الحادث، فأين شعبة التحقيقات في الأمم المتحدة التي تطلع على المشاكل الداخلية وتقدم البيانات والحلول؟.
إن الجغرافيا السياسية لمنطقة الشرق الأوسط تتعرض لخطط استراتيجية قديمة تتظافر لإعادة عصر الاستعمار، لم نلمس سوى إدانة يومية عبر وكالات الأنباء ووسائل الاتصال لانتهاكات الحوثيين دون تطبيق عقوبات عليهم، حتى الانتهاكات بعد اتفاق السويد واستمرار سرقة المواد الإغاثية المقدمة للشعب اليمني إضافة إلى أن مصادر يمنية أعلنت بأن ميليشيات الحوثي تقوم بحفر شبكة أنفاق في صنعاء بإشراف خبراء إيرانيين ومن ميليشيات حزب الله اللبناني.
إن مبدأ الانحياز في المواقف هو الذي يحدث عدم التوازن واختلال الرؤى، وعوامل التناقض والتباين، وتعتبر الأمم المتحدة في حقيقة الأمر تكيل بمكيالين ولا تنتقد الدول الكبرى. بينما تتعامل بطريقة معاكسة مع دول العالم الثالث.