م. خالد إبراهيم الحجي
إن كميات البيانات الكبيرة التي كانت إلى وقتٍ قريبٍ جداً تعتمد على الكتابة الورقية التقليدية في الأعمال المختلفة، ولم يكن يوجد غير هذه الطريقة في ذلك الوقت، وهي لا تتيح الفرصة لكشف عمليات الفساد المالي والإداري؛ قد ساعدت دون قصد في التستر عليها، وعرقلة فضحها في الوقت المناسب؛ فتهرب الفاسدون من المحاسبة والقانون، ولكن التطور العلمي والتقدم التقني للابتكارات التكنولوجية الحديثة في مجال تقنية المعلومات التي أُطْلِق عليها ثورة البيانات ساهم في تحقيق المميزات التالية:
(1): سهل تسجيل الكميات الهائلة من المعلومات والبيانات وحفظها وتخزينها بالطرق الإلكترونية، وساعد على سرعة تداولها وانتشارها وزيادة شعبيتها، ومكن المسؤولين وجميع أفراد المجتمع من الوصول إليها بسهولة ويسر والاطلاع عليها وتحليلها بسرعة فائقة وشفافية عالية.
(2): تطوير برمجيات حديثة قادرة على تحليل البيانات وتنقيبها لتشخيص العيوب والأنماط والارتباطات ضمن مجموعات البيانات والإجراءات الإدارية والمالية لتحديد مواطن الفساد، واكتشاف المعاملات المشبوهة في المجالات المختلفة فور حدوثها، مثلما يطبقها الباحثون في مركز أبحاث الفساد في بودابست على الفحص الدائم لكميات البيانات الخاصة بإجراءات التوريدات العامة من دول الاتحاد الأوروبي من خلال البحث عن أنماط غير طبيعية، مثل: فترات العطاءات القصيرة الاستثنائية، أو التعميدات المباشرة، أو عدم وجود منافسة على العرض الفائز، أو العروض التي فازت بها نفس الشركة.
(3): استحداث طرق جديدةً لتطوير البيانات والإحصاءات والمشاركة فيها بتقنية الحوسبة السحابية التي تحفظ المعلومات والبيانات وتحسن جودتها، وتسهل الوصول إليها وتقلل تكاليف إنتاجها.
(4): دمج ثورة البيانات واستخدامها في التنمية المستدامة في أنظمة الأتمتة الحديثة التي تستخدم الحواسيب في العمليات الإدارية والمالية بدقة متناهية، وتكرار مرورها في منصات العمل والمستويات القيادية المختلفة.
(5): الانفتاح والرحابة في القطاعين الخاص والعام على حد سواء، والمساعدة على كشف الفساد المالي والإداري وفضحه، وتطوير برامج محاسبته ومحاربته التي تمنع الاحتيالات والاختلاسات وتقضي عليها.
(6): استخدام بعض الهيئات الرقابية في بعض دول العالم للبرمجيات الحديثة في عمليات تنقيب البيانات الكبيرة لتحديد ومتابعة مواعيد إصدار العطاءات، ومواطن الفساد في معاملات التوريدات والدفعات المالية، وتحديد الانحرافات المالية والزمنية في سير المشروعات.
(7): استخدام بعض المؤسسات والهيئات الخاصة والعامة والمؤسسات المالية والبنوك للبرامج المبتكرة في ثورة البيانات وتطبيقها في مراقبة قروض المشروعات ومتابعة تمويلها، واكتشاف التواطؤ المنظم والفساد المالي والاحتيالات في وقت مبكر؛ فعالجته بالطرق المناسبة والناجحة، مثل: المساءلة النزيهة والمحاسبة العادلة، ووضع القرارات السيادية المناسبة التي تردع الفساد المالي؛ فقطعت الطريق عليه قبل وقوعه وقضت عليه؛ فحفظت مليارات الدولارات من المبالغ المالية التي كانت ستهدر في الاحتيال والنصب والاختلاس دون علم المسؤولين.
(8): طورت المفوضية الأوروبية ومنظمة الشفافية الدولية الوسائل الحديثة التي تقوم بمراجعة البيانات ومتابعتها، وتحليلها من مختلف المؤسسات الخاصة والعامة لمكافحة الفساد، ومنها البوابات الإلكترونية على الإنترنت وتطبيقات الهواتف المحمولة، مثل: موقع نزاهة الذي أنشأه البنك الدولي لتمكين المواطنين من سرعة الوصول إلى المشروعات التي يمولها البنك الدولي مباشرة والمعلومات المتعلقة بها، وإتاحة الفرص للإبلاغ الفوري عن مخاوف الغش والفساد والرشوة، مثل: تسجيل كلمة رشوة أو إرسال صور لبناء مدرسة لم يكتمل، أو عبَّارات للسيول تبنى بدلاً من الكبري المطلوب الذي يصل بين طرفي الوادي، أو نقص في عدد الآبار التي أُعْلِنَ عن تنفيذها؛ لِتُمكن جميع المواطنين في المناطق المختلفة والنائية من الوصول إلى المعلومات بسهولة ويسر بشكل أفضل ودقة أكثر ووقت أسرع للإبلاغ عن الأخطاء والتجاوزات والمخالفات، وكشف الفساد المالي وردعه. ومن المتوقع نجاح هذه التطبيقات وانتشارها في الحكومات الإلكترونية.
الخلاصة:
يجب أن تكون الشفافية والنزاهة جزءاً من ثقافة المجتمع لنجاح مكافحة الفساد بالتكنولوجيا الحديثة.