عبدالعزيز السماري
قد يكون الصمت في حقيقة الأمر أحد وجوه التطور في حياة الإنسان، فمن مستوى الضوضاء تستطيع تحديد المتوسط العمري للحضور في مكان ما، فالإنسان في مقتبل عمره يفضل أن يعيش في الأجواء الصاخبة والضوضاء، ومنها يستمد الطاقة والحركة بلا توقف، بينما تخف درجات الضوضاء في حياة المرء كلما تقدم في العمر، إلى أن تصل إلى مرحلة الصمت عند الكثير، أو العزلة الاختيارية عند آخرين.
«عندما لا يمكن للمرء أن يتكلم، يجب عليه أن يكون صامتا»، هو الاقتباس الأكثر أهمية من قبل الفيلسوف الأكثر أهمية في القرن العشرين، فقد اعتبر لودفيج فيتجنشتاين الصمت كإجابة مثالية على أسئلة الفلسفة الأكثر صعوبة، لكن مثل أي إجابة من فيلسوف، ليس من السهل فهم ما يعنيه حقًا..
فُسر الاقتباس على أنه يعني أن الأشياء التي يمكن قياسها وتصنيفها، يمكن التحدث عنها، بينما من ناحية أخرى، هناك أشياء غير قابلة للقياس، مثل الإيمان أو الحب أو الشعر، ولأنها غير قابلة للقياس، لا يمكن الحديث عنها، وغير قابلة للتدوال والجدل، في حين أن المرء عندما يتقدم في السن يتعلم أن هناك أشياء كثيرة غير قابلة للجدل، إذ لا يمكن أن يكون الإيمان أو الحب أو الإحساس بالجمال مثاراً للجدل أو مدعاة للصخب، فلذتها تكمن في الصمت أمام جمالها الخفي.
وقد يكون الصمت أحد وجوه الغضب، ويأتي في أشكال عديدة، منها أن الناس قد يستخدمون الصمت كوسيلة للهروب من موقف ما، ويمكننا أن يكون الصمت خيارًا سياسيًّا، أو موقفًا لعالم اختار أن يبقى صامتا في القضايا، كما أن عدم إمكانية التعبير قد تكون بمثابة الصدمة التي تعبر عن مخاوف أكبر في النفس،كما أن إنكار حق الشخص في الرد على النقد أو الادعاءات يعزز الطبيعة الشريرة للصمت.
من الناحية الاجتماعية، فإن العزلة تعتبر شكلاً أكثر صمتًا من الصمت، وثبت أنها تؤثر تأثيراً سلبياً على الدماغ في الطريقة التي تشكل بها الارتباطات العصبية، ومن خلال العزلة، قد تكون أفكارنا وأصواتنا صامتة بالمعنى المجازي، حتى لو كان لا يزال لدينا القدرة على الكلام، وقد يأخذ هذا أشكالاً من الضغوط بين مجموعات الأقليات المهمشة والآراء المنبوذة.
وحتى بدون عزلة اجتماعية، يشعر الكثيرون بالوحدة في أعماق أنفسهم، ويمكن أن تكون مقدمات لعدد لا يحصى من قضايا الصحة العقلية من خلال واجهة الصمت الاختياري، فالأفراد الذين يعانون من الاكتئاب غالبًا ما «يعانون في صمت» مع انحدارها المطلق..
وقد يشكل الصمت، في سياقات أخرى، أساس الجمال والوئام، فمن نعمة الصمت عند سماع الموسيقى، أن تكون تفاصيل النغمات البعيدة والخلفية في غاية الوضوح، كذلك عندما يسهب في الحديث فيلسوف أو مفكر، قد يكون الصمت خياراً أفضل من الكلام من أجل تسمع المعاني والأفكار العابرة بين الجمل..
خلاصة الأمر أن الصمت قوة جبارة، وتفتقر إلى بوصلة الاتجاه الأخلاقي بالمعنى العام، و لهذا السبب، يتم استخدامه لكل من الخير والشر على قدم المساواة، فقد يكون أحد وجوه الحكمة والجمال، وقد يكون عنوانًا للطبيعة الشريرة في النفس البشرية..