د. جاسر الحربش
الرجل يبحث عن الزوجة الودود الولود التي تكرمه إذا حضر وتحفظه إذا غاب، والمرأة تبحث عن الزوج الكريم الحليم الذي يشكرها إذا أجادت ويعذرها إذا قصرت عن غير قصد. أين نجد هذه المواصفات؟ ولا في حراج ابن قاسم الذي يعثر فيه الناس على كل شيء. في الموضوع تتابع أجيال تناقصت فيها الجودة النوعية للطرفين تدريجياً. اسألوا أيها الجيل الجديد الأحياء من جداتكم وأجدادكم وستجدون أن أكثرهم تمتع بتلك المواصفات الزوجية. اسألوا بعدهم أمهاتكم وآباءكم تجدون النتيجة نص نص. نتائج البحث عن الجودة النوعية للصلاحية الزوجية في جيلكم الشبابي هي ما ترون لا ما تسمعون.
من جهة، ذلك الرجل الذي يعتمد عليه كالعمود الصلب للمنزل العائلي أخذ في التناقص باتجاه الندرة، ومن الجهة الأخرى تلك المرأة المضحية بثلاثة أرباع وقتها للبيت والأطفال والزوج خرجت إلى الأسواق والمولات ولم تعد. بناءً على ذلك ارتفعت عند آباء البنات نغمات الحرص على تعليمهن ما يمكنهن به الاعتماد المعيشي على النفس وليس على الزوج مثل الحصول على الوظيفة والراتب، وذلك بسبب الكساد في سوق الأزواج القوامين على النساء والبيوت. نتيجة لهذا الاعتماد النسائي على النفس ارتفعت نغمات البنات العازفات على أوتار الاستغناء عن الزواج أصلاً للاستمتاع بالحياة إلى آخر رمق ممكن. بعض المتزوجات خلعن أنفسهن من أزواجهن ثم أقمن الحفلات الفارهة ورقصن على أنغام الفرح بالطلاق.
في الوسط بين هذه الجهات الأربع ترتفع أعداد الرجال العازبين الذين تخطوا سن الشباب وبدأت الشعيرات البيضاء تغزوا صوابرهم، وترتفع أيضاً أعداد العانسات اللواتي لم يبق لهن من قدرات الإنجاب سوى بضع سنين معدودات قبل أن يودعن الهرمونات الأنثوية.
مجتمع يتجه نحو هذه المفاهيم عن الحريات الشخصية والاستمتاع الخادع بالحياة وربما المغامرة بالانجراف نحو إشباع النفس والجسد أولاً ويضحي بأبجديات المسؤولية العائلية والتربوية، هذا مجتمع يبرمج نفسه بغباء غرائزي للانقراض الذي يستحقه.
البهارات التي تضاف إلى هذه المفاهيم الجديدة عن الحياة الحديثة تأتي مجاناً بكميات هائلة من الفضائيات والدردشات الليلية والتغريدات والاتصالات المموهة بالصوت والصورة، فتتدفق الهرمونات بغزارة ولكن تضمر ثقة الطرف الذكوري بالطرف الأنثوي وثقة الأنثوي بالذكوري وتزداد الشكوك في إمكانيات العثور على الزوج الصالح والزوجة الصالحة.
من المؤسف أن المفهوم والهدف الحضاري التنويري الاقتصادي للترفيه والسياحة الداخلية الذي خططت له الدولة قد يساء فهمه من قبل شريحة من الشباب والشابات ليتحول إلى عبث بالوقت والعواطف والخداع المتبادل. يجب على الجميع الاعتراف دون لف ودوران أن المفاهيم القديمة قدم البشرية عن الصلاحية الزوجية التي ورد ذكرها في بداية المقال ما زالت هي هي لم تتغير، ومن يجرب الزواج بدون الاعتماد على ذلك سوف ينتهي زواجه بالطلاق في السنة الأولى، وأظن النسبة وصلت بالفعل إلى الأربعين بالمائة وتعدتها نحو المزيد.