د. محمد عبدالله الخازم
لفهم طبيعة وأدوار وزارة التعليم نشير إلى مكونين رئيسين، التفكير فيهما يسهم في قيادة وتطوير التعليم بشكل أفضل وهما التالي:-
المكون الأول يتمثل في الإدارة والتشغيل أو الانشغال بالأمور الإدارية البحتة مثل التوظيف والنقل وبناء المدارس والتشغيل وماله علاقة بذلك. للأسف بأن هذا الجانب يمثل الغول الذي أسهم في إسقاط مسؤولين وقادة مروا بهذه الوزارة ويطل بوجهه الضاغط مع كل وزير جديد يأتي للوزارة. لاحظوا أن أغلب الطلبات من معالي وزير التعليم الجديد تتعلق ببند 105 والوظائف والنقل للملعمات ونقل الطلاب والمقاصف المدرسية والمباني وماله علاقة بجوانب هي إدارية وتشغيلية.
المكون الثاني هو الجانب التعليمي البحت والمتمثل في تطوير المناهج والتقويم والإستراتيجيات التعليمية والتوجهات القيمية والفكرية للتعليم. هذا الجانب رغم أهميته إلا أنه لا يحظى بالشعبية من قبل المعلمين ومن الشارع وكل من حاول التعمق في هذا الجانب اصطدم بعقبات منها مقاومة التغيير من الميدان وضعف الأدوات الإدارية والمهنية التي تساعد في تطوير أية مبادرة كانت. ويقال إن من تقل مبادراته التعليمية وتزيد كفاءته الإدارية يطول عمره بهذه الوزارة.
من هنا يصنف قادة التعليم الذي مروا بوزارة التعليم بمسماها الحالي أو مسمياتها السابقة. هناك من اهتم بتطوير التعليم أو المكون الثاني لقيادة التعليم وما زلنا نذكر بصماتهم وهناك من كانوا مجرد إداريين يسيرون دفة السفينة، أتوا وذهبوا دون أثر كبير. وبالتأكيد هناك من وازن بين العمل الإداري التشغيلي والجانب التعليمي أو الأكاديمي. نتمنى التوفيق لمعالي الوزير الجديد وما زال مبكراً الحكم كيف سيكون إبداعه!
المعضلة الإدارية ستبقى السائدة وبسببها هناك صعوبة في تنفيذ كثير من الأفكار والمبادرات التعليمية النوعية، ولتجاوزها نحتاج تغييرًا جوهريًّا ونوعيًّا في بنية نظام وزارة التعليم الإداري وتحديداً أرى الحل في إلغاء مركزية وزارة التعليم واستقلالية المناطق التعليمية في المجالات الإدارية والتشغيلية كالتوظيف والمشاريع والصيانة والنقل والبناء وبقية تفاصيل التشغيل. لا يكفي أن يمنح الوزير بعض الصلاحيات ولكنه أمام القانون مسؤولاً عن التفاصيل، لأنه سيسحب ما منحه من صلاحيات في أول تجاوز أو إزعاج يحصل من إدارة تعليمية، كما حدث مع أكثر من وزير سابق. بل يجب أن تستقل المناطق بميزانياتها ووظائفها أسوة بما هو حاصل في أمانات المدن. ليبقى دور وزارة التعليم الحقيقي هو تطوير التعليم الحقيقي عبر المناهج والإستراتيجيات والتقويم والجودة والتصريح بالعمل وليس الإرهاق بقضايا تشغيلية كما يحدث حالياً. لنبدأ بالمناطق الكبرى، إذا لم نكن واثقين بنضوج الفكرة حتى تكتمل التجربة.
وبالتأكيد الوضع ينطبق على الجامعات وضرورة الابتعاد عن توجيهها والتدخل في تفاصيل عملها من قبل الوزارة، والتخلص من بعض البرامج الطارئة على الوزارة كبرنامج الابتعاث وغير ذلك، مما يمنح الوزارة رشاقة إدارية ويتيح لها العمل بشكل أكبر في مجالات تطوير التعليم بدلاً من الانشغال في حل مشاكل إدارية وتشغيلية روتينية يزداد تعقيدها يوماً بعد يوم بسبب اتساع رقعة المملكة وزيادة حجم المشتغلين والمستفيدين من التعليم وتغير توقعاتهم واحتياجاتهم وطلباتهم...