عروبة المنيف
كلنا نعترف ونقر بتأثير التفكير وما ينتج عنه من عواطف وانفعالات على صحة الجسد، فتلك حقيقة أوضحها الطبيب ابن سينا منذ قرون عندما قال «إن قوة الفكر تساعد على إحداث المرض أو الشفاء منه نفسياً، والنفس لها تأثير على الجسد مثلما للجسد تأثير على النفس، وكلاهما مرض يورث للآخر المرض وإن صح يورث الصحة».
إن الانفعالات والمشاعر والعواطف لدى الإنسان تسير بشكل محكم وبواسطة برنامج دقيق داخل الجهاز العصبي للإنسان، فأي معاناة نفسية يتم ترجمتها من خلال الجهاز العصبي للجسم إلى تأثيرات جسمانية تأخذ شكل الأمراض المزمنة. وما الأزمات القلبية وأمراض قرحة المعدة والصداع والشقيقة والسكر والضغط وغيرها من أمراض عصرية مزمنة إلا نتاج لانفعالاتنا وعواطفنا وأفكارنا السلبية والتي تعتبر السبب الرئيسي لمعاناتنا النفسية المستمرة.
اطلعت مؤخراً على إضافة جديدة ومثيرة للاهتمام، تتعلق بذات الموضوع، ألا وهو تأثير التفكير السلبي أو الإيجابي على الجسد، تلك الإضافة، هي نتيجة لدراسة حديثة قامت بها باحثة في جامعة ستانفورد، أكدت فيها على أن أجسادنا تتفاعل مع الأخبار الإيجابية والسلبية من حولنا. والمفاجأة ليست هنا، بل أن الدراسة توصلت، إلى أن تلك الأخبار تحدث تغييرات في أجسادنا ونستطيع قياس تلك التغييرات على المستوى الجيني!. لقد أكدت الدراسة على أن البقاء في بيئة إيجابية يعمل على تعزيز الصحة الذهنية للإنسان ويرفع من مستوى قدراته. فقد حدثت تغييرات إيجابية فيزيولوجية في المستوى الهرموني للمشاركين في الدراسة الذين قد تم تزويدهم بأخبار إيجابية عن صحتهم، بينما كانت التغييرات الفيزيولوجية سلبية لمن تلقوا أخباراً سلبية عن صحتهم.
أكدت نتائج تلك الدراسة على أثر السلوك الإنساني على صحة أعضاء الجسم وتحديداً على المستوى الجيني ، فقد ازداد المستوى الهرموني للمشاركين، بعد تزويدهم بمعلومات معاكسة عن نتائج تحاليل الهرمونات المضادة للشبع لديهم، وتم إخبارهم بأنهم يملكون جيناً وقائياً ضد السمنة، ونتيجة لسماعهم بالخبر الإيجابي عن مستوى الهرمون لديهم، تضاعف إفراز هرمون الشبع لديهم بحوالي مرتين ونصف مع أن كمية الطعام لم تتغير، والعكس صحيح لمن تلقوا أخباراً سلبية عن أداء المستوى الهرموني لديهم، وأعطوا نتائج عكسية، وقرر بعضهم إيقاف التجربة وعدم الرغبة في إكمالها!.
يجدر بنا هنا أن نذكر أن نتائج الدراسة السابقة التي قامت بها جامعة ستانفورد دعمت نتائج دراسة شهيرة سبقتها في جامعة هارفارد. فقد أثبتت دراسة جامعة هارفارد، أن العنف ضد الأطفال يعمل على تغيير «الطفرة الجينية» لديهم ليصبحوا أقل صحة وذلك نتيجة لشعورهم بالقلق والتوتر باستمرار، فارتفاع مستوى هرمون، «الكورتيزول والإدرينالين والدوبامين» الناتجة عن التوتر المستمر، يعمل في التأثير على تركيبة الحمض النووي لدى الضحايا من المعنفين ليصبحوا «أطفالاً مختلفين» ما يهدد صحة الأجيال المستقبلية.
إن اهتمام البحث العلمي مؤخراً في دراسة تأثير السلوك الإنساني على التطور الجيني وعلى سلامة الحمض النووي، هو مؤشر هام يستدعي إعادة التفكير بما نحمل من أفكار وبأهمية الصحة النفسية والتفكير الإيجابي ودوره الهام ليس فقط من أجل صحة الأعضاء الجسدية بل تعدى ذلك ليؤثر في صحة الجينات والحمض النووي وما لذلك من تأثير على سلامة الأجيال القادمة وسلامة جيناتهم وصبغاتهم الوراثية من الأمراض النفسية والجسدية.