أمل بنت فهد
أغرب مشاكل العلاقات الإنسانية هي التي بدأت بفعل الصمت، حين يبدأ الإنسان بتحليل الموقف في معمله الخاص دون أن يكون للطرف الآخر أي مشاركة، أو دفاع، أو تفسير، وهي معادلة بائسة دون شك، أن يكون المتهم غائباً، وهناك محكمة تدار، قاضيها والمدعي شخص واحد! فمن الطبيعي أن تكون النتيجة كارثية، وظالمة، وكلها على بعضها هراء تنتهي بسببه علاقات عميقة، وحتى لو كانت علاقة سطحية، فإن أي علاقة في الوجود تستحق الاحترام، وأبسط حقوق الطرفين فيها، أن يأخذ كل طرف فرصته ليقول ما عنده، حتى لحظة الوداع.
حين يجنح الإنسان للسكوت، فإنه يفقد شيئاً مهماً جداً، شيئاً كان يتمتع به في الطفولة، حين كان يسأل عن كل شيء، بكل عفوية وتلقائية، عندما يجهل فإنه يسأل، ومع الوقت، وبتأثير رد فعل الكبار عليه، إما أن يكون متحدثاً بارعاً، وصريحاً، ومباشراً، أو أنه سيتعلّم كيف يلجم فضوله، ويتعلّم كيف يكبت مشاعره مهما كانت ثائرة، ويبدأ في تعلّم إطلاق الأحكام المسبقة، لأنه بات مثل الكبار، ويحمل نفس مشكلتهم مع الحوار، والسؤال.
لدرجة أن رد الفعل الأولي والذي من المفترض أن يكون الأكثر صراحة، ينطلق مشوشاً جداً، ومحكوماً بعوائق، لأنها تراكمات لطم الكلمات وردها قبل أن تنطلق، وذكريات الإحراج أمام كلمات الكبار الجارحة يوم كان طفلاً، فمن المتوقّع أن يكبر ويتعلّم التردد، حتى الصوت يتعلّم مع الوقت كيف يكون واثقاً أو مهتزاً، متأكداً أو مشككاً.
وتكتمل روعة الإنسان حين يتحدث دون قيود، وأفكاره مترابطة، وحتى حين يقفز من فكرة لأخرى، فإنه يفعلها برشاقة وخفة، وإذا اكتملت بجمال اللغة، ووفرة المعاني، فإنه ساحر جداً، ويسلب العقول والقلوب.
مع أنه يكفيك حين تتحدث أن تكون صادقاً، ومخلصاً لنفسك فيما تقوله، وقلت لنفسك تحديداً لأنها تعرفك جيداً، وتعرف مدى صدقك وكذبك، حين تعبّر عن إرادتك الحرة دون مخاوف، أو تحرٍ لإعجاب، يكفي أن تكون مباشراً، ولست تحت ضغط الصح والخطأ، أو رعب النقد، ولن يهمك حين يقاطعك أحدهم ليصحح لك، أو يصوب ما تقوله، فإنك جاهز لتقول هذا رأيي، وتلك مشاعري، مهما بدت لك، فإنها قناعاتي، وفي نفس الوقت تعذر الآخر الذي لم يتعلّم بعد كيف يحرّر نفسه من عقده في التحدث.
خلاصة المقال، ميز بين مشاعرك لتعرف كيف تعبّر عنها، اعرف غضبك، قلقك، خوفك، اشتياقك، فقدك، وجعك، وانطلق منها، مع هذه المعرفة، تلقائياً سيكون حديثك من القلب للقلب، وستصل إلى شعور جديد.
ولا تحكم قبل أن تعطي الآخر فرصة التحدث، مهما بدا الموقف مريباً، فإن الصورة لن تكون كاملة ولا حقيقية، وحتماً ينقصها الكثير ليكمله شريكك، أو صديقك، أو زميلك، أو ابنك، أو ابنتك.