الجنادرية هذا الحلم الذي أصبح حقيقة، الجنادرية الاسم الذي انتشر في أرجاء المعمورة كافة، الجنادرية التي بدأت بسباق الهجن وبعض الحرف والفعاليات المعدودة وأصبح اليوم مؤتمرًا عالميًا للثقافة والتراث والفنون، وقبل أن أخوض في هذه الأمور... تعالوا معاً لنسترجع البدايات التي كان لمهندس الحرس الوطني الملك عبدالله بن عبدالعزيز - طيب الله ثراه - نظرة ثاقبة وبعيدة المدى.
لقد عمل على تطوير الحرس الوطني ليكون مؤسسة عسكرية حضارية تسهم في خدمة وبناء الوطن عسكريًا وثقافيًا واجتماعيًا، وأُعدت خطة خمسية لتطوير الحرس الوطني.. اكتملت بنجاح بإشراف ومتابعة صاحب السمو الملكي الأمير بدر بن عبدالعزيز نائب رئيس الحرس الوطني آنذاك والدور البناء الذي كان يقوده المرحوم معالي الشيخ عبدالعزيز التويجري.. لم يكتف رئيس الحرس الوطني بالانكفاء على المشاريع العسكرية فقط في ذلك الوقت بل أشار للمسؤولين بالنهوض بالمسؤوليات المهمة تجاه خدمة الوطن والمواطنين، من ذلك خدمات الحجيج والمشاركة في كل المناسبات الثقافية، إضافة إلى المهام العسكرية والأمنية... ثم كانت نظرة منه للجنادرية فتحول الحلم إلى حقيقة وأصبحت الجنادرية مؤتمرًا عالميًا للتراث والثقافة والفنون. ولقد كانت معاناة الحرس الوطني كبيرة في البدايات، وكنت من الذين عاصروا بدايات الجنادرية والمشاركين في العمل إلى جانب كوكبة من العاملين، أتذكر منهم الأستاذ عبدالرحمن الشثري المدير السابق للعلاقات العامة بالحرس الوطني والأستاذ سعود الرومي والدكتور عبدالعزيز الشعيل والأستاذ حسن خليل والأستاذ جابر القرني والدكتور طه الفراء والدكتور عبدالرحمن الهواوي، والعديد من الأسماء لزملاء ما زالوا على رأس العمل وآخرين أحيلوا إلى التقاعد. وكان الإشراف على هذه الكوكبة لمعالي الدكتور عبدالرحمن السبيت الذي كان له الفضل بعد الله في كثير من الجهود التأسيسية للجنادرية، إضافة إلى ما يتميز به من خلق وسعة صدر بحيث تحمل هفواتنا وعالجها بحكمة في ذلك الوقت وخرج مجموعات من المتخصصين والإداريين الذين برعوا في قيادة ميادين الجنادرية وفعالياتها المتعددة، وكانت مراحل الجنادرية في البدايات عام 1405هـ وحتى عام 1408هـ بدايات بسيطة ومحدودة بدأت بسباق الهجن مع بعض الفعاليات البسيطة، وبدايات إنشاء سوق مصغر وأماكن عرض للتراث ومبانٍ تكاد تكون محدودة، وشيئًا فشيئًا حتى بدأت الأحلام تتحقق وما خطط له منسوبو الحرس الوطني بدأ يظهر ويبرز بشكل أجمل.. وكان أن أعطى صاحب السمو الملكي الأمير متعب بن عبدالله جزءًا من وقته للجنادرية في ذلك الوقت، وخاصة مع بدايات جنادرية 1410هـ وما بعد فأعيد تقييم الجنادرية والأهداف المطلوبة منها أو من هذا المهرجان... وكان أن رسم خارطة كاملة لما يجب أن يكون عليه المهرجان وما هو مطلوب منه استجابة للتطورات والفعاليات التي أضيفت.. قام امسؤولون في الحرس الوطني بإشراف مباشر من صاحب السمو الملكي الأمير متعب وتوجيهات مستمرة من رئيس الحرس الوطني ونائبه في ذلك الوقت بإضافات وتوسعة لنشاط وفعاليات الجنادرية لتنتقل من المستوى المحلي إلى العالمي، وهو ما حصل بالفعل. إن من عاصر الجنادرية في السابق وتابعها حاليًا يجد البون شاسعًا للغاية بين ما كان وما تحقق على أرض الواقع.. نعم.. لقد أصبحت الجنادرية مؤتمرًا عالميًا للتراث والثقافة والفنون.. أشاد به العلماء والزعماء والأدباء والمفكرون والمهمتون بالتراث، لقد أعاد لأبنائنا صورة وتاريخ أمجاد الآباء والأجداد وعرَّفهم على تراثهم وموروثهم، وأعلن للعالم أن المملكة مركز إشراق للحضارة والتطور ليس في جانب واحد بل كل الجوانب وأهمها التراث والثقافة والفنون والآداب.. لقد اجتمعت كلها في هذا المهرجان أقصد المؤتمر العالمي... لقد بذل الحرس الوطني جهودًا مضنية كلفته الجهد والوقت والإمكانات.. نعم الحرس الوطني تبنى الجنادرية من الصفر وها هو الآن يباهي بها العالم.. إذًا فالحرس الوطني مؤسسة عسكرية حضارية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. ساهم بكل إتقان في رقي البلد وشارك في كل الميادين ونفذ ما يطلب منه بكل كفاءة واقتدار، والجنادرية خير مثال على ذلك. إن ما تعيشه الجنادرية اليوم من تطور أبهر المهتمين بالتراث والثقافة والفنون واكتمل عقدها وازدانت ميادينها الفسيحة بالفعاليات واكسبت العاملين فيها خبرات تراكمية طورت الأداء وجددت للأفضل والأجمل.. إن الجنادرية اليوم أصبحت مركز إشراق حضاري وواجهة تعكس التطور الشامل للمملكة العربية السعودية... فشكراً لله أولاً ثم لولاة أمرنا الأحياء منهم والأموات ثم للقائمين على هذا المؤتمر العالمي السنوي. وشكرًا للحرس الوطني الذي يشارك بكل فعالية واقتدار في قيادة الكثير من النشاطات الثقافية والعلمية والتراثية، إضافة إلى مهماته الرئيسة.. وكل عام وأنتم والحرس الوطني والجنادرية بخير...
** **
alfrrajmf@hotmail.com