إبراهيم عبدالله العمار
انظر للمشهد الحقيقي هذا: إنه يوم 7 مايو عام 1824م في فيينا. الأعجوبة بيتهوفن على المسرح يقود فرقة الأوركسترا ويعزف تحفته الجديدة: السيمفونية التاسعة. أشهر مقطوعاته، وهي التي تحوي الجزء الشهير Ode to joy. جَمَعَ أكبر عدد من الموسيقارين، واتسعت الأعين دهشة وامتزجت النفوس بنشوة وانبهار لم يعرفوا لها نظيراً، واستمع الناس بأنفس محبوسة لهذا السحر الصوتي، وانتهت المقطوعة فانفجرت القاعة بالتصفيق والإعجاب.
كل عاشق موسيقى تمنى أنه رأى هذا المشهد، لكن هناك شيئا لا يعرفه معظم الناس: إن من أهم لحظات ذلك اليوم بل كل يوم من أيام بيتهوفن شئ صغير: كوب من القهوة! لم يعرف بيتهوفن يبدأ يومه إلا بها. بل كان بالغ العناية في إعدادها، حتى إنه كان يحسب بنفسه 60 حبة بُن للكوب الواحد، وهذا أقل عدداً بقليل من القهوة المعاصرة التي تحوي قرابة 70 حبة للكوب، لكن قهوة بيتهوفن مختلفة: إنها لم تعالَج. المعالجة تقلل الكافين وتضعف بعض المواد الفعالة، أما هو فكان يعدها ثم يطحنها ثم يصب عليها الماء المغلي، فكان كوب واحد لو شربته لشعرتَ بقلبك يكاد ينفجر!
وليس وحده، فالكثير من العباقرة والمفكرين عشقوا القهوة، منهم المخترع بنيامين فرانكلن والذي جلس في أماكن القهوة قبل أن يكون هذا مشهداً منتشراً، والرئيس ثيودور روزفلت الذي كان يشرب قرابة 4 لترات كل يوم ويستخدم قدحاً ضخماً أشبه بالبرميل. الفلاسفة أيضاً من كبار عشاقها، فالدنماركي سورن كيركغارد شرب الكثير كل يوم ولديه عشرات الأقداح المختلفة طلب من مساعده أن يختار له منها واحداً مختلفاً كل يوم وأن يعطيه تبريراً فلسفياً لسبب الاختيار! فولتير كان يشرب 50 كوب قهوة كل يوم. إيمانويل كانْت أحبها كثيراً آخر أيامه وأدمن كوبه اليومي بعد العشاء، وكان يريده بسرعة، حتى إنه أمر خادمه أن يجعل الماء يغلي باستمرار والقهوة مطحونة وينتظر بانتباه، حتى يأتيه الأمر: «القهوة! الآن!»، فيقذفها في الماء المغلي ويعاجل سيده بالقدح قبل أن يسوء مزاجه.
ما مدى تقديرك لها؟ لن أعتبرك عاشقاً للقهوة إلا لو فعلت مثل ما فعل الموسيقار الشهير باخ، فلما امتعض الناس من انتشار المقاهي في فيينا وانتقدوها هب مدافعاً عنها بأن كتب قطعة أدبية ساخرة، وهو شيء جديد من هذا الذي لم يُعرف عنه إلا أنه موسيقار، لكن حب القهوة جعله يستكشف مواهب أخرى!