عبده الأسمري
** يسجل العقل البشري يومياً مئات الصور المركبة والأحاديث الصوتية المشكلة في قنواته في تشفير مذهل يعكس «الإعجاز الرباني» الذي يعجز الإنسان عن تحليله لوقوعه في علم «الغيب».
** يمضي الإنسان يومه غارقًا في مهامه متشبثًا بمطالبه فيما يغفل عن تدبر الترتيب الإلهي تحت مظلة الحكمة والتدبير فإن استمرت «غيبوبته» الذاتية التي تعزله عن فهم تفاصيل القدر سيظل رابضًا في ردهات مظلمة من التوجس والمعاناة والإحباط.
** تضع الحياة مهامها «الروتينية» أمام الفكر يوميًّا فينشغل العقل ويبقي الذهن مشتعلاً بحتميات «العقل الباطن» ويتأثر الجسد فيرتمي الإنسان في «كوابيس» نوم مقلقة و»هواجيس» استيقاظ بائسة لالتصاق فكره بسوءات التوقعات وسلبيات التوجسات.
** يدور بعض الأشخاص في دوائر المديح الذاتي والتمجيد الشخصي موكلاً لنفسه «فضائل النتائج» تحت داء «الغرور» ثم لا يلبث أن تأتيه صاعقة «البلاء» لتطمس معالم اقتداره في قدر عاجل يسقطه في بؤرة «الحزن» أو مغبة «الفشل» فيقع في «سوءات» الندم عندها عليه أن يتذكر أن النعم لم تأته لعلم عنده وإنما لحكمة من عند خالقه وأن عزته بالنفس أضاعت عليه مشارب «النعمة» وأغرقته في غياهب «النقمة».
** عندما يرى المحسن أن إحسانه يكال بالكم فهو بذلك يشوه وجه الإحسان المضيء بالحديث والتكرار والمن في قالب ذاتي بئيس.. وهو لا يعلم أن العطاء تربية دينية وسلوك إنساني يكون مداه في قلوب الغير وليس في عظمة الأنا. لذا فإن المقارنة والعبرة والجودة في مسائل الحسنى تظل في «غيبية» الموازين وفي خبيئة «السخاء» المكلل بالسرية.
** يمارس الحاقدون والحاسدون إسقاط سلوكيات أنفسهم المريضة نحو الآخرين فيحيكون دسائس الفتن ويبرمون معاهدات «اللؤم» مع ذواتهم للنيل من نجاحات الغير ويمعنون في «إيذاء» من لا يتفق مع شخصياتهم المكتظة بهستيريا «الحقد» والممتلئة بهوس «الحسد».
** يقضي الناجحون جل وقتهم في ترتيب مواعيدهم مع «العون» وتوظيف عهودهم مع «الغوث» في قالب إنساني فيرون سعادتهم في إسعاد المحزونين ويجدون فرحتهم وسط انفراج أزمات المكروبين.
** يبدد الطامحون كل حواجز الإحباط كاتبين نهاراتهم وفق رؤيتهم يتشبثون بحسن ظن لا حدود له في خالقهم ومولاهم «العزيز الحكيم» صاعدين سلالم «الدافعية» خارجين من أعماق العجز الإنساني إلى آفاق الإعجاز الرباني.. هؤلاء وحدهم من يرون الضياء قادمًا رغمًا عن ظلامية «التعقيد» و»مظالم» الحظ.. هم المستثنون من قواعد «اليأس» الذي يرونه مفهومًا مسموعًا دون أن يكون حقيقة تعترض طريقهم.
** قرارات «النفس» متأرجحة تهددها متاهات الاستعجال وتمددها مدارات «التريث» وما بين التعجيل والتأجيل مسافة فاصلة بين الشك واليقين وبين الإيجاب والسلب.. يجتهد العقل ويجد القلب وتتكل الروح وتسكتين الجوارح لغرفة عمليات مشتركة تقع تحت طائلة الشعور ورود الأفعال والنتائج.. وفي النهاية لا بد من الارتهان والارتكان إلى العنوان الأبدي والحتمية الواقعية «كل نفس بما كسبت رهينة».
** الموت زائر أوحد لا يستأذن أحدًا ولا يستثني أي بشر يمر بين أحاديثنا كمصير معمم ويسير وسط أيامنا كتدبير مطلق.. ورغم ذلك ترى في تفاصيل بعض النماذج البشرية أنهم يجهزون أنفسهم وكأنهم سيعيشون «حياة مؤبدة» ويستعدون لديمومة «مستحيلة» وفي ظل ذلك هنالك من يتجهز لاستقبال هذا الزائر فيما آخرون يتناسون «قدومه» ويتجاهلون «فجائيته» وسط زيارة لا تحتمل الفرار أو التأويل أو التعطيل.
** يعيش العديد منا متباهين بالمجاملات والمدائح وحتى «التطبيل» وفي داخل كل إنسان صوت يمارس الارتداد والانكفاء داخل النفس يعطي الإنسان قيمته الحقيقية وواقعه الصحيح فيكتشف «زيف» الخارج الذي جاء إما لمصلحة أو مبالغة أو كذبة وقد يسعد به أما حين يكون التقييم أقل مما يستحق فالنبلاء والعقلاء والفضلاء هم وحدهم فقط من يرون أنه لا بد أن يكون تقييمهم الأسمى عند أنفسهم كمرتبة أولى ثم تأتي المراتب الأخرى كيفما تكون فمقياس النفس هو السر الذي يملكونه لمواصلة نجاحاتهم ونثر إبداعاتهم أما من يلاحقون تزييف العبارات وبروزة المداهنات فلا شك أنهم متأثرون بعقدة النقص التي تتربص بمن اختل توازنه النفسي وبمن قلت وانعدمت مناعته لتصيبه وتقيم في وجدانه وتستقر في تعاملاته معرضًا أشباهه للعدوى المؤكدة.