رجاء العتيبي
القوة الناعمة ليست هجومًا على أحد، ولا تسعى بالإضرار بمصالح الآخرين، ولا تفسد على أحد حياته، هي جزء من عملية السلام التي يفترض أن تعم العالم، باعتبارها متطلبًا حياتيًّا، حتى لو استغلت سياسيًّا هنا أو هناك ولكنها في النهاية هي (سلام) على الكل لأنها تقبل الناس كما هم وتدخل الجميع في دائرتها دون تمييز وأدواتها لبنات الحضارة الإنسانية.
قبل أن تقرأ كتابَي: جوزيف ناي عن القوة الناعمة:
- مقدرة للقيادة: الطبيعة المتغيرة للقوة الأميركية 1990م.
- القوة الناعمة: وسائل النجاح في السياسة الدولية 2004م.
عليك أن تعيد مشهد احتفال مدينة دبي (برأس السنة) لهذا العام، وتحديدًا في ساحة برج خليفة، لترى عوالم مختلفة من أصقاع الأرض جاءت إلى هذا المكان لتحتفل سويًّا في مدينة باتت صديقة كل الناس بمختلف جنسياتهم وألوانهم ولغاتهم، عليك أن ترى مقدار (الجاذبية) التي كانت عليها دبي في ذلك اليوم وما بعدها من الأيام، عليك أن تميز بين المكان كشرط سياحي وبين أن يكون قوة ناعمة جعلت العالم يصطف مع الإمارات كدولة راعية للسلام.
الإمارات بسياساتها الحكيمة وبقوتها الناعمة كسبت جوانب اقتصادية وكسبت مكانة لائقة عالميًّا، وجعلت العالم يتطلع إليها كحلم جميل يسعى لبلوغه، لهذا بدت دبي عاصمة دولية مهوى أفئدة رجال الأعمال والاقتصاد والسياحة والترفيه، ولا تخلو دبي من أن تكون ضمن أهم البرامج السياحية التي تجدولها الأسر أو المجموعات إقليميا ودوليًّا.
الذي لا يرى شيئا في الألعاب النارية التي تزين برج خليفة في رأس السنة وما يتبعه من برامج سياحية، عليه أن يقرأ في مجال (القوة الناعمة) والسياسات الاقتصادية وجلب رؤوس الأموال والعلاقات الدولية، عليه أن يعيش الواقع، ليعرف أن دبي في تلك اللحظة يشاهدها العالم بأسره ويصطف إلى جانبها، عليه أن يبدل خطاباته المتطرفة ويعيد حساباته وأنه ليس محور الكون -كما يعتقد- على لا شيء.
ورغم أن الإمارات بدأت متأخرة في مجال القوة الناعمة إلا أنها خطت خطوات متقدمة في هذا المجال تبعها الإعلان عن (مجلس القوة الناعمة) في 29-4-2017 يتبع مجلس الوزراء، الذي يهدف لتعزيز سمعة الدولة إقليميًّا وعالميًّا وترسيخ احترامها ومحبتها بين شعوب العالم ويختص برسم السياسة العامة واستراتيجية القوة الناعمة للدولة.
للإمارات العربية المتحدة تجربة ثرية في مجال القوة الناعمة تستحق أن تروى، ولكن ماذا عن بقية دول الخليج العربية، بالنسبة لسلطنة عمان والكويت ما زال الوضع كما هو عليه، البحرين بدأت تتحرك في هذا الجانب بشكل أفضل، أما حكومة قطر فإن قوتها الناعمة والمتمثلة تحديدًا في قناة الجزيرة، جعلتها تدعم قوة صلبة (دعم الإرهاب، وشراء الولاءات بالأموال) تعمل على سياسة المتناقضات، لهذا خسرت جيرانها وخسرت العالم وبددت ثروتها وانحازت لدول مارقة كإيران وجماعات متطرفة كالحوثي وحزب الله والقاعدة، وباتت حكومة قطر عبئًا على العالم.
السعودية بدأت تفكر جديًّا بمفهوم القوة الناعمة، وأول خطوة عملتها هي (تحييد) الخطابات المتطرفة والعودة (للحياة الوسط) وجمعت مفاهيم التحول في رؤية السعودية 2030 وهيأت بيئة استثمارية لاستقطاب رؤوس أموال عالمية، فجاءت الملتقيات الاقتصادية والترفيهية والفنية بصورة أكثر تأثيرًا من ذي قبل.
يكفي أن هذا الوعي -بالقوة الناعمة بدأ يتشكل بصورة أوسع- وبدأت أصوات كثيرة تدعو إليه، ورأينا تحركًا حكوميًّا بهذا الاتجاه وربما يفضي إلى خطوات عملية كـ(مجلس) مختص بالقوة الناعمة يرتبط بمجلس الوزراء، وأظنه يرى النور قريبًا.