د. محمد بن عبدالله آل عبداللطيف
عقود ونحن نبحث عن إصلاح التعليم دونما تحديد لما نريد، ودونما تعيين لمفهوم الإصلاح المراد. لا أحد يعرف ما المطلوب، ولكن الجميع يرى أن تعليمنا يحتاج لإصلاح جذري ليتجاوز الحالة التي هو فيها ولا أحد يرضى بها. فمن ناحية، وضع بعض مدراسنا للأسف لا يمكن أن يرضي أحدًا. صفوف متكدسة بالطلاب، بعضها في مبان مستأجرة أعدت كبيوت سكنية وتم تحويرها لتكون مدارس، وبعضها تفتقر لأساسيات متطلبات الحياة، كالتكييف الجيد، أو دورات المياه النظيفة. ومن ناحية أخرى، الأغلبية تطال بإعادة النظر في المناهج التي تغير العالم من حولها ولم تتغير.
لدينا أضخم ميزانيات التعليم في دول العالم الثالث، بل ربما فاقت ميزانيات دولاً متقدمةً، ولكن هذه الميزانيات بقدرة قادر لا ترى طريقها للمدارس. نرى مبان فخمة للوزارة، ولإدارات التعليم بما يرفع رأس الوطن أمام أي زائر من الخارج. ومصاريفنا الإدارية، ومصاريف ندواتنا، ومؤتمراتنا، وانتداباتنا يحسدنا الكثير عليها. أما وضع مدارسنا وهي الأهم فهي تحتاج لزيارات داخلية مباشرة من المسؤولين ليطلعوا عليها.
أقترح أن يفرض على جميع مسؤولي المدارس والتعليم عموماً إدخال أبنائهم في مدارس حكومية، ليس عقابًا لهم، ولكن ليسهل لهم الاطلاع عليها بما يسهم حتمًا في تحسين مستوى هذه المدارس، إذ سيحتم على المسؤول زيارة مدرسة ابنه وحضور مجالس الآباء والاطلاع مباشرة على وضع المدرسة، ومنها يستطيع الحكم على وضع المدارس الأخرى.
وليس وضع التعليم الأهلي بأفضل من الحكومي، مجرد إضافة مواد كاللغة الإنجليزية، أو الفرنسية، تدرس كيفما اتفق ليخال بعض المواطنين والمواطنات، الذين يرون المستقبل في الإنجليزية أن ابنه أو ابنها تحول لخواجة صغير تستطيع أن تخاطبه بالإنجليزية في السوبر ماركت، أو أمام العاملة المنزلية. وإذا كان في البيت المستأجر أو المجمع مسبح، يدرس التلميذ السباحة على يد مدرب يتدرب في الطلاب مع ارتفاع الرسوم الدراسية طبعًا.
أما بخصوص إصلاح المناهج فهذا ما عجز عنه جميع الوزراء، لأنه ينطبق عليه المقولة المتداولة هذه الأيام: (لاني مقيد ولاني بمفلوت). إذ إن هناك مناهج لا يمكن المساس بها رغم تراجع سلطة التيار الذي كان يحميها. وهي في الحقيقة مقدسة لا يمكن المساس بها، ولا اختلاف على أهميتها، لكن إصلاحها وتهذيب البعض منها، وإلغاء التكرار فيها، وتقريب مناسبتها لعمر التلميذ مطلوبة، وهذه أمور قد تخدم هذه المواد وتقويها ولا تضعفها. وبدون إصلاح لما يدرس حاليًا، قبل إضافة مواد جديدة، لا يمكن الحديث عن إصلاح في التعليم.
أما التعليم الجامعي فلا يقل بيروقراطية عن التعليم العام، وجامعاتنا الموقرة مستنسخة من بعضها استنساخًا شبه جيني. وأعداد الإداريين فيها تفوق أعداد الطلاب في بعضها. وهناك مقولة على شكل دعابة لإداري جامعي مخضرم وهي أن الجامعات مكان عمل مريح لو أخرجنا الطلاب وأعضاء هيئة التدريس منها!! ومن الطريف أنه بعد تعزيز جهاز التعليم العالي الإداري، وبناء مقرات ضخمة لوزارته، وتجهيزها بأفضل التجهيزات، تم ضمها للتعليم العام لتصبح وزارة التعليم ربما أحد أضخم الأجهزة البيروقراطية التعليمية في العالم.
علماً بأن الوزير يحتاج للنظر كل شهر في محاضر 28جامعة ويوافق على قرارات التعيين فيها!!
التعليم العالي قد لا يحتاج لوزارة لأنه في كل جامعة مدير بالمرتبة الممتازة ومعه عدد ضخم من الوكلاء والعمداء. وبينما تكتفي جامعات كبرى في العالم بمكتب تسجيل صغير، لدينا في جميع جامعتنا عمادات للقبول والتسجيل، ووكلاء عمداء للقبول التسجيل، مع العلم أن لدينا أقسامًا وعمداء معنيون في كل كلية كما لدينا عمادات ووكلاء لشؤون الطلاب، وعمادات لشؤون أعضاء هيئة التدريس، وعمادات أخرى لا حصر لها. وهذا يبين ولعنا الفطري المتوارث بالبيروقراطية. فنحن نعد للأمور البيروقراطية كل ما استطعنا من قوة، أما الأمور التعليمية فلا بد أن تمر بكل هذه الأجهزة البيروقراطية بالإضافة لبيروقراطية مكتب الوزير لمجرد النظر فيها.
لإصلاح التعليم العالي لا بد من إتاحة التنوع في التخصصات بين جامعاتنا المختلفة لا سيما وهي موجودة في بيئات مختلفة مناخيًا واثنيًا، ولا بد من إتاحة المرونة فيها ومنح مزيد من الصلاحيات للأقسام والكليات للتنافس فيما بينها. ولا بد من إعادة النظر في نظام التعيينات المباشر لمسؤولي الجامعات والعمداء والأقسام فهو سبب رئيس في انتشار كثير من أمور الفساد الأكاديمي فيها، وأن نتيح نظامًا محددًا للانتخابات لهذه المناصب فالجامعات أهم من الغرف التجارية، أو النوادي الرياضية. ولكن مع إقرار الانتخابات يجب إقرار نظامي مراقبة ومحاسبة صارمين.