عبد الله باخشوين
ها هو ذا الزمن يعود بي لتلك (اللحظة الصعبة) التي خلت وقد تجاوزتها بحكم التجربة والسن.. لكنها تعود كأني لم أعشها أو أعانيها من قبل.
لحظة بين لحظتين..لا تشعر بقوة وطئتهما إلا عندما يمسك بك ما يجوس في صدرك وأنت تهم بالكتابة.. فتجد في نفسك تلك القوة الغريبة التي تحركك وتحرضك للبوح بما لا تستطيع البوح به ولا تقوى على تجاوزه أو الفكاك منه.
تشحذ مخيلتك.. وتسدعي (خبراتك) كابن تربى في أسر الأسرار.. التي لا يفك قيدها سوى (الرمز) والتلويح بالإشارة منذ:
- (إذا جئت فامنح طرف عينيك غيرنا
لكي يحسبوا أن الهوى حيث تنظر).
كأن جيل الكتاب الذين سبقوك ومن قبلهم جيل الرواد.. قد تربوا على (رائية عمر ابن ربيعة) وهضموا كل (أغراض الرمز) الذي ظهر في الغرب بعد ذلك بسنين طويلة.
وكأن الرمز (مكي) المنشأ والقصد والهوى.. وها هو ابن ربيعة يقول:
- (فيالك من ليل تقاصر طوله
وما كان ليلى قبل ذلك يقصر).
رغم هذا الإرث (المكي) الذي تثاقل على مخيلتك وصدرك.. تتحرك فيك رغبة البوح.. ولا يجد قلمك فيك ما يقال.. ولا تجد أوراقك مكاناً للكلام.. وبدا لك الأمر كأنك وقد قلت كل الكلام.. لم تجد ما يكتب أو يقال. دون أن يسكت الكلام الذي يجوس صدرك ومخيلتك.
تفيض فيك شهوة الكلام.. ويسيل ماؤه على الحواف كـ(الرمز) الذي يتقافز بالأصوات الهامسة.. وقيل أن الماء في فيضانه يحمل أصوات البشر لضفافها الأخرى.. وها هو يسري مع رباعية صلاح جاهين وهو يقول:
- (عيني رأت مولود على كتف أمه
يصرخ تهنن فيه يصرخ تضمه
يصرخ تقول يا بني ما تنطق كلام
ده اللي ما يتكلمش ياكتر همه).
ثم بدا أنني عاجز عن الكتابة التي تمكنني من فتح مغاليق الكلام.. ووجدتني أقول للكاتب بداخلي أصبح من المحتم على الكاتب أن يجد لنفسه طرقاً جديدة قادرة على فتح مغاليق لغة التعبير حتي يمكن أن يصبح فاعلاً ومؤثراً.