د. خيرية السقاف
حين تزدحم الدرب من الأرض، والنفس من الإنسان فإن للدرب أنفاساً، وللنفس دروبا..
الإنسان يحمل معوله ليمهد نتوءات درب الأرض,
ويعمل عقله ليساوي بين تراكمات دخيلة النفس..
مع أنه تغلبه عصبة مكنونٍ وحدُه لا يقوى عليه، فهو لا يعرف ذاته كما ينبغي!!..
الأرض ذاتها لا يفعل لدروبها إن لم يُعمل لها عقله..
فطرة الطبيعة أن تنطلق بسجاياها، ونواميسها، وسرمدية دوامها، ومنتهى بقائها,
لا يحرثها، ويحرسها، لا يسقيها، ويشذبها، لا يرعاها، ويعنى بها، لا يمهدها، ويبنيها,
لا ينظّمها، ويعمِّرها إلا هذا العقل فيه هذا الإنسان..
بينما أرض دخيلته غابة كثيفة مكتظة، يجهل كثيرَ ما في كنهها، ولا يعرف غير الظاهر الملموس منها، ويتقلب عليه المحسوس فيها..
عصبة محورها الأساس عقلُه النابض بإدراكه، ووعيُه الناجم عن تأمله، في هذه التي تتشعب فيه لا يقوى على تمهيدها، لكنه قد يملك بعض زمام توطينها..
ويصبح الدرب فوق الأرض دروباً تتنفس أيضاً به، حين يؤمُّها فتحيا بحياته، وتنبض بحركته...
لكن النفس فيه واحدة وتكتظ فيها الدروب، وتتشعب بما لا يصل إليه معول يده التي حملت على الأرض فجعلتها متنفساً لبقائه..
إنه بين أرض تقله، ونفس تسيِّره..
بين وعورتين، أيهما يتنفس؟!، وأيهما يتكدَّس؟!..
فحين تزدحم دروب الأرض فإنها به تتنفس!!
لكن النفس في زحمتها تتشعب دروبا، ولا تتنفس!!..